من المعلوم أن المخالف يُبيَّن حاله، ويُحذَّر منه .. لكن الملاحظ تكرار ذكر المخالفات في المجالس، مع عدم الداعي إلى ذلك ...شيخنا فركوس -حفظه الله-

فوائد وتوجيهات منهجية لشيخنا فركوس -حفظه الله- (السبت ٢٨ المحرم ١٤٤٦ هـ)

س: من المعلوم أن المخالف يُبيَّن حاله، ويُحذَّر منه .. لكن الملاحظ تكرار ذكر المخالفات في المجالس، مع عدم الداعي إلى ذلك ...

ج: "الكلام على الرجال استثناء وليس أصلا، لأن الأصل أن الأعراض محرّمة، فالأعراض، والأموال، والأنفس محرّمة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن دماءكم وأموالهم وأعراضهم حرام عليكم ..) الحديث، وقال: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.) الحديث، فهذه الأحاديث تدلّ على حرمة الأعراض، فنقول أن الأصل في الدماء، والأموال، والأعراض التحريم، ثم تأتي الاستثناءات فيها.

• في الدماء: القصاص عند قتل النفس بغير حق، وعند الارتداد عن الإسلام، وعند الزنا بعد إحصان

• في الأموال: منها حقوق الغير؛ والدائن، والزكاة، وحق الفقير والمسكين، وغيرها ..

• وفي الأعراض: تقريبا بالنسبة للمحافظة على الشريعة، والمحافظة على الحديث، أو على أموال الناس.

في الحديث؛ يجوز للمختصين به انتقاء الحديث من كل راو فيه قوادح من شأنها أن تجعل الحديث غير صحيح، سواء قوادح في المروءة؛ من حيث العدالة، أو الحفظ والضبط، وغيرها .. فيتكلّمون فيه، وأنه راو أصابته كذا، ومتّهم بالكذب، ويدّعي الرجعة (رجوع علي -رضي الله عنه- كعيسى -عليه السلام- .. ومثل هذه المعتقدات .. فلا يأخذون عنه، وينزّهون الحديث من هذا، ويراعون الضوابط في الكلام عنهم، ويضعون تسميّة بحسبهم؛ ثقة، عدل، وغير ثقة، وغيرها .. وهذا في التجريح ..

في الأموال: الشهود؛ فشاهد الزور يمكن أن تعطيه مالا فيشهد، وقد كانوا يعتمدون كثيرا على الشهود، والآن كذلك بالنسبة للورقة الرسميّة، سواء في العقود المالية، أو الزواج، أو في إثبات النسب، أو في الإقرار، وفي المعاملات المالية كلها.

في هذه الأحوال لابد أن يكون تارة أربعة شهود؛ كحالة رمي المحصنات، أو شهادة الزّنا، وتارة شاهدين (٢) أو أكثر؛ وهذا في عموم المعاملات المالية، وتارة واحد -على خلاف- في ثبوت رؤية هلال رمضان، ولابد أن تُراعى فيهم العدالة، فإن كانوا مخرومي العدالة لا تُقبل شهادتهم، خاصّة إن رُمي الشهود بالكذب، أو رَموا محصنات ولم يأتوا بشهود، (الآية).
فهؤلاء إذا قدح فيهم لا تقبل شهادة الفساق، والكذابين، وغيرهم .. إلا أن يتوبوا.

إذن هذه الاستثناءات في الحفاظ على الحديث، وعلى أموال الناس، فإن كان بالكذب قد تذهب أموال الناس، وقد يدّعي أن هذا ولده وليس كذلك، وغيرها ..

مأمورون كذلك بحفظ الشريعة، وليس كل واحد يعطينا حكما نقبله؛ إلا إذا تأكدنا من سيرته، وعلمه، وعُلو كعبه في العلم، وعدم وجود قوادح خُلقيّة فيه؛ كالكذب، وغيره ..
ممكن تجده ليس كذلك؛ لكن ليس له باع وشغل في الشريعة؛ فيكون رويبضة، وهو الرجل التافه يتكلّم في أمر العامّة، وفاقد الشيء لا يعطيه.
تحفظ الشريعة بجاهل؟! هو بحاجة للعلم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنما شفاء العيّ السؤال).

إذن: يكون له وزن في الشريعة؛ وفي العلم الشرعي، وسيرته حسنة، ولا يعلم فيه قدح، أو أمور تقدح في مسيرته، أو خلقه، أو صفاته، وأن يكون عدلا؛ خاصة لأنه يوصل كلام الله -تعالى- وكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- والمنهج النبوي لغيره؛ في عموم التعاملات، والمواقف .. فلابد أن يكون أمينا، والأمانة هذه يحملها العدول وليس كل واحد، وتنقل من عدل لعدل، ويأخذ عنه؛ ثم يؤدّي هذا الميراث النبوي، فالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يورّثون العلم النافع.

القدح فيه:

- إما من جهة علمه.

- أو سيرته؛ من حيث التعامل مع الناس، ومع محيطه، أو عائلته ..

- أو من جهة منهجه الّذي يسلكه في بيان الشريعة للناس؛ سلفي أو صوفي أو غير ذلك .. فإن كان صوفيا، أو شيعيا، أو معتزليا، أو أشعريا .. يُقدح فيه من هذه الجهة، ويُبيّن للناس، لأنه قد ينقل إليهم عقائد ومسالك فاسدة.

- وكذلك من جهة أخلاقه؛ إذا كان يُعرف عنه الكذب .. فيتنافى هذا مع عدالته، لأن الرجل العدل هو الّذي يتجنّب كل خوارم المروءة، والكذب في طليعتها.
قد تجد الكذب على الله، والكذب على الناس، والكذب على النفس، والكذب في الحال؛ فالمتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثوبي زور، وهذا كلّه كذب، فيعرف الإنسان هذا.

مثلا: هذا الّذي قصّ علينا عن هذا الإمام الذي قال: (تبا لهذه الجنّة)؛ فذمُّ النار، أو الجنّة -وهي جزاء الله للمحسنين- هذا الإمام لا يعرف هذا؛ فهو لا يصلح للدعوة، ولا أرى أن يكون إماما، لأن الناس إن سمعوه يأخذون عنه، ويقولون سمعنا الإمام يقول هذا .. فلا يسكت عنه، ويُبيّن أن هذا حرام، وفيه كفر، ويُحذّر من هذا؛ حتى الناس تخاف، وتُعظّم شعائر الله .. فإذا استهان في هذا فعلى الدنيا السلام ..
يسبّون الله -تعالى- والنّبي -صلى الله عليه وسلم-، والمشاعر، والشعائر .. ويَدّعون الإسلام، ويأتي إمام يفسد هذا ..وأنت تعمل، فبهذا تتقهقر.
في المدرسة ولا يحب الإنسان أن يعيد السنة ويرى ناسا يتقدّمون، ما بالك في الشريعة؟!
أنت تُصلح وتبني، ومثل هذا يهدم، فمتى يأتي البنيان تمامه إن كنت تبني وغيرك يهدم، فأنت تبني وغيرك يهدم من هنا وهنا.

الأمور تُرى بهذا المنظار، فمن رأى مثل هذا الإمام ينبغي التنبيه عليه، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ويقول أن هذا الكلام كفري، وفيه قدح في جزاء الله (الجنة)، وينبّه الناس.
إن تاب ورجع فهذا الأصل، لكن غالبا تجد أن المتكبرين لا يرجعون، وهذا التكبّر قادح أيضا، والمتكبّر هو الّذي يستصغر الحق ولا يرجع، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الكبر بطر الحق وغمط الناس) الحديث. وغمط الناس استصغار الناس، فيقول تعلّمت البارحة وصرت تتكلّم .. كما يقولون: علّمتك الصلاة وسبقتني إلى السجادة.

هذا يردّ الحق ولا يقبله بهذه الأساليب .. وقد يجد في النهر ما لا يجد في البحر، فيمكن أن ينبهه على أمر كائنا من كان؛ فيرجع، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكّروني) الحديث.
وهو -صلى الله عليه وسلم- مرة صلى بهم خمسا فتبعوه، وقيل: أزيدت الصلاة؟! قال: (لا ..)، والنبي -صلى الله عليه وسلم- صلاها خمسا، وصلى صلاة العشي ركعتين كما في حديث ذي اليدين .. فإذا أخطأ الإنسان يرجع إلى الحق المبين.

هم يعلمون أنه مخالف؛ لكن إذا جاءت قضية جديدة يريد أن يشوّش بها فتتجدّد المسألة، ويتجدّد سببها.
مثلا -ونحن لا نتكلم عن فلان أو فلان-، قال فلان شيئا جديدا، أو قال حكما كذا، فتنظر إلى الحكم؛ إن كان صحيحا تقول صحيحا بغضّ النظر عن سيرته، قال تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا} الآية، لكن كان حريّا به أن يُصوّب ما وقع فيه من قبل، أحسن له من أن يُصوّب على غيره في هذه الجزئيّة.
وإن أخطأ فتضاف إلى الأولى، لأن الناس لا تتوب ولا ترجع، ويُحبّ أن يتسلّق على حساب الدعوة، وكما يقال: إذا ما ركبش يتعلق.
يدخل في الميدان يبني أو يفسد؟!
إذا كان ليُفسد فلا تتركه، وإذا كان ليُصلح فيجب أن يصلح خطأه الأول."