فتاوى أركان الإسلام ( فتاوى العقيدة ) للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
صفحة 1 من اصل 1
فتاوى أركان الإسلام ( فتاوى العقيدة ) للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
س12: رجل يوسوس له الشيطان بوساوس عظيمة فيما يتعلق بالله –عز وجل- وهو خائف من ذلك جداً، فما توجيه سماحتكم؟
الجواب: ما ذكر من جهة مشكلة السائل التي يخاف من نتائجها، أقول له: أبشر بأنه لن يكون لها نتائج إلا النتائج الطيبة، لأن هذه وساوس يصول بها الشيطان على المؤمنين، ليزعزع العقيدة السليمة في قلوبهم، ويوقعهم في القلق النفسي والفكري ليكدر عليه صفو الإيمان، بل صفو الحياة إن كانوا مؤمنين .
وليست حاله بأول حال تعرض لأهل الإيمان، ولا هي آخر حال، بل ستبقى ما دام في الدنيا مؤمن . ولقد كانت هذه الحال تعرض للصحابة –رضي الله عنهم- فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: جاء أناس من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، فقال: "أو قد وجدتموه؟"، قالوا: نعم، قال: ((ذاك صريح الإيمان)) . رواه مسلم11، وفي الصحيحين عنه أيضاً أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ((يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟! فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته))12 .
وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- أن النبي، صلى ا لله عليه وسلم، جاءه رجل فقال: إني أحدث نفسي بالشيء لأن أكون حممة أحب إلي من أن أتكلم به، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: ((الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة))13 رواه أبو داود .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في كتاب الإيمان: والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان بوساوس الكفر التي يضيق بها صدره . كما قالت الصحابة يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به . فقال عليه الصلاة والسلام ((ذاك صريح الإيمان)) . وفي رواية ما يتعاظم أن يتكلم به . قال: ((الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)) . أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له، ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان، كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه، فهذا عظيم الجهاد، إلى أن قال: "ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعبادة من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم، لأن (أي الغير) لم يسلك شرع الله ومنهاجه، بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه، وهذا مطلوب الشيطان بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة، فإنه عدوهم يطلب صدهم عن الله تعالى" . أ.هـ. المقصود منه ذكره في صلى الله عليه وسلم 147 من الطبعة الهندية .
فأقول لهذا السائل: إذا تبين لك أن هذه الوساوس من الشيطان فجاهدها وكابدها، واعلم أنها لن تضرك أبداً مع قيامك بواجب المجاهدة والإعراض عنها، والانتهاء عن الانسياب وراءها، كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (( إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل به أو تتكلم)) . متفق عليه14 .
وأنت لو قيل لك: هل تعتقد ما توسوس به؟ وهل تراه حقاً؟ وهل يمكن أن تصف الله سبحانه به؟ لقلت: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم، ولأنكرت ذلك بقلبك ولسانك، وكنت أبعد الناس نفوراً عنه، إذن فهو مجرد وساوس وخطرات تعرض لقلبك، وشباك شرك من الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، ليرديك ويلبس عليك دينك .
ولذلك تجد الأشياء التافهة لا يلقي الشيطان في قلبك الشك فيها أو الطعن، فأنت تسمع مثلاً بوجود مدن مهمة كبيرة مملوءة بالسكان والعمران في المشرق والمغرب ولم يخطر ببالك يوماً من الأيام الشك في وجودها أو عيبها بأنها خراب ودمار لا تصلح للسكنى، وليس فليها ساكن ونحو ذلك، إذ لا غرض للشيطان في تشكيك الإنسان فيها، ولكن الشيطان له غرض كبير في إفساد إيمان المؤمن، فهو يسعى بخيله ورجله ليطفئ نور العلم والهداية في قلبه، ويوقعه في ظلمة الشك والحيرة، والنبي، صلى الله عليه وسلم، بين لنا الدواء الناجع الذي فيه الشفاء، وهو قوله: ((فليستعذ بالله ولينته)) . فإذا انتهى الإنسان عن ذلك واستمر في عبادة الله طلباً ورغبة فيما عند الله زال ذلك عنه، بحول الله، فأعرض عن جميع التقديرات التي ترد على قلبك في هذا الباب، وها أنت تعبد الله وتدعوه وتعظمه، ولو سمعت أحداً يصفه بما توسوس به لقتلته إن أمكنك، إذن فما توسوس به ليس حقيقة واقعة بل هو خواطر ووساوس لا أصل لها، كما لو انفتح على شخص طاهر الثوب قد غسل ثوبه لحينه ثم أخذ الوهم يساوره لعله تنجس لعله لا تجوز الصلاة به، فإنه لا يلتفت إلى هذا .
ونصيحتي تتلخص فيما يأتي:
1- الاستعاذة بالله، والانتهاء بالكلية عن هذه التقديرات كما أمر بذلك النبي، صلى الله عليه وسلم .
2- ذكر الله تعالى، وضبط النفس عن الاستمرار في هذه الوساوس .
3- الانهماك الجدي في العبادة والعمل امتثالاً لأمر الله، وابتغاءً لمرضاته، فمتى التفت إلى العبادة التفاتاً كلياً بجدٍ وواقعيةٍ نسيت الاشتغال بهذه الوساوس –إن شاء الله .
4- كثرة اللجوء إلى الله والدعاء بمعافاتك من هذا الأمر .
واسأل الله تعالى لك العافية والسلامة من كل سوء ومكروه .
أبوياسر السلفي البسكري- عدد المساهمات : 115
تاريخ التسجيل : 19/07/2015
مواضيع مماثلة
» فتاوى أركان الإسلام ( فتاوى العقيدة ) للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
» فتاوى أركان الإسلام ( فتاوى العقيدة ) للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
» فتاوى أركان الإسلام ( فتاوى العقيدة ) للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
» فتاوى للشيخ العلامة فقيه عصره محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
» جزء من تفسير ﴿ سورة القدر ﴾ للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
» فتاوى أركان الإسلام ( فتاوى العقيدة ) للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
» فتاوى أركان الإسلام ( فتاوى العقيدة ) للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
» فتاوى للشيخ العلامة فقيه عصره محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
» جزء من تفسير ﴿ سورة القدر ﴾ للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 15 ديسمبر 2023, 20:04 من طرف بسكرة السلفية
» تفصيل ماتع من الشيخ #فركوس في بيان مدى صحة قاعدة ( النهي في باب الآداب يفيد الكراهة )
السبت 26 أغسطس 2023, 19:12 من طرف لطفي براهمي
» شيخ الصعافقة الجدد عماد رفعت الذي يستغل فرصة شهرته الأخيرة على حساب طعوناته الفاجرة في عالم بلدنا الشيخ محمد بن علي فركوس- حفظه الله-، في تسويقه لكتبه!
الجمعة 25 أغسطس 2023, 22:57 من طرف بسكرة السلفية
» الدَّلِيلُ المُغْنِيُّ فِي جَوَازِ الإِنْكَارِ العَلَنِيِّ عَلَى وُلاَّةِ الأُمُورِ بِضَوَابِطِهِ، كما جاءَ في فتاوى فضِيلة الشَّيخ أبي عبد المُعزّ محمّد علي فركوس -حفظه الله تعالىٰ
الأحد 20 أغسطس 2023, 17:59 من طرف بسكرة السلفية
» حُقَّ للصعافقةِ أن يُؤلفَ لهم كتاب بعنوان " علو الهمة في الطعن في عالم الأمة"!
السبت 19 أغسطس 2023, 21:41 من طرف لطفي براهمي
» توضيح الشيخ لحسن منصوري وفقه الله لمسألة قضايا الأعيان فيما ورد عن الصحابة من الإنكار العلني
السبت 19 أغسطس 2023, 19:00 من طرف بسكرة السلفية
» في حكم التجنُّس بجنسية الكفار للعلامة محمد بن علي فركوس حفظه الله
السبت 19 أغسطس 2023, 18:25 من طرف بسكرة السلفية
» شهادة حق في شيخنا محمد علي فركوس على ما افُتري عليه أنّه انفرد مع الخارجي -بحق-علي بن حاج
الجمعة 18 أغسطس 2023, 17:53 من طرف بسكرة السلفية
» العلامة محمد علي فركوس-حفظه الله-: "غالب الذين تزعزعوا أو خذلوا الحقّ فعلوا ذلك من أجل مصالحهم
الخميس 17 أغسطس 2023, 23:57 من طرف بسكرة السلفية