كلمة الشيخ فركوس للإخوة بعد أن سأل أحمد بوزيان إن كان قد جاء مناقشا، أو مستمعا فقط ..

فوائد من مجلس شيخنا فركوس -حفظه الله- (الأحد ٢٠ صفر ١٤٤٦ هـ)

كلمة الشيخ للإخوة بعد أن سأل أحمد بوزيان إن كان قد جاء مناقشا، أو مستمعا فقط ..

"ذكرت للإخوة المرة الفارطة أن الذي يجمعنا جميعا هي الأخوة الإيمانية المبنية على الإيمان، والتناصح، والبر والتقوى، والتعاون عليها .. لا على صكوك الغفران، أو غيرها .. لأنها ليست لنا، بل هي مثل سوء، ومثل السوء لا نتمثّل به، ولا نمتثل.
ليس لنا مثل السوء، نحن بعيدون عنه، لكن المسائل هذه ترى بعين الأدلة، وترى بعموم المقاصد، وليست بالأدلة فقط، إنما بالأدلة على ضوء مقاصد التشريع، ويبني الحكم عليها ..

أنا ذكرت في مسألة الإنكار العلني أن فيه أدلة للإنكار السري، وفيه أدلة أخرى بالنسبه للإنكار العلني؛ ومنها حديث معاوية -رضي الله عنه- الذي فيه أنه خرج ثلاث جمعات يقول أن المال مالي .. الحديث، وفي الأخير قام رجل كلمه، وأنكر عليه .. واستحسن معاوية -رضي الله عنه- هذا الإنكار، واستبشر، لأنه سمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول: (يكون أمراء يقولون ولا يرد عليهم ..) الحديث.
وجه الدليل أنهم يقولون أمورا خارجة عن الدين، بعيده عنه، فيها ظلم .. ولا يُرد عليهم، وهذا فسره معاوية -رضي الله عنه- بمثل ما فعله الرجل معه، إذ كان هو أميرا أو خليفة، والمعروف أن الراوي أعلم بما روى، وتفسيره يُعوّل عليه؛ لأنه فهم صحابي، بل هو كاتب الوحي.مثلا سبب الخلاف كذا في الميدان الدعوي، تجد من يتبع الوجهة الشرقية، وينظر بهذا، إذن لم ينطلق من أدلة، إنما من رأي الرجال، ورأيهم بحسب حالهم .. وإلا تجد العلماء الكبار كالعباد، والألباني، وابن باز -في بعض فتاويه- يقولون به ..

لا يحصر الإنسان نفسه في هذا، ويخاف التعرّض للأذى .. يجب أن يقول، ويصبر على الأذى، والعاقبة للتقوى، فإن كان صادقا فلا يهمّه.
الأنبياء -عليهم السلام- كانوا يصدعون بالحق، وبعضهم يُؤذى، وبعضهم يُقتل، وبعضهم يسجن .. لكن الحق يعلو ولا يُعلى عليه، ولو بعد موته سيظهر الحق، لذا ذكرت المسألة، ولما قيل لي كذا قلت أن الباب مفتوح للمناقشة في أي موضوع كان؛ إذا كنت ماسكا بناصيته؛ نتناقش فيه لمعرفة الحق.

يقول خالف حديث ابن عباس! ابن عباس هو خالفه، وفيه نصوص أخرى خالفته، فدور المجتهد الجمع بين النصوص جميعا، وإلا يقال هذا أعور؛ ينظر من جهة واحدة، والهزيل ينظر من جهة، كالشاة إذا كانت عوراء غالبا تجدها هزيلة، فهي لا تجد العشب، بخلاف أخرى ..

والمسائل هذه تُرى بعين صادقة، وبصدق، وأمانة، ولا يهمنا كلام الغير، ولا الزوبعة هذه.

هم أخذوا المشكلة إلى أعلى مستويات، عندما لم يجدوا شيئا قالوا سروري؛ يريد أن يرفع السلاح .. وافتعلوا كل الأمور التي يشوّشون بها، وجاؤوا بشهادات بالباطل أننا نريد أن نصعد للجبال، وأمضى في الشلف ٥٠٠ واحد على توقيعات بهذا، وهذا كله لتوريطي، وإبعادي من الساحة، من يؤزهم؟! تعرفونه، هو من وراء ذلك، ونحن نرجو من الله الحماية والحفظ للجميع، والجهات تعلم حالنا، وهي معنا، ولم تقل شيئا في هذا المعنى، بل في العشرية كنا نحث الناس على النزول من الجبال، ووجدت حتى أوراقا تهديدية تحت الباب؛ هنا، وفي باب الزوار .."

وفيه حديث (كلمة حق عند سلطان جائر)، وفيه فعل الصحابة -رضي الله عنهم- فلا نرمي بفعلهم وفهمهم؛ وبالأدلة هذه؛ وننظر بعين واحدة، ولا ننظر من هذا الجانب بعين الأعور.

الطلبة -عموما- عندما تتعارض الأدلة عندهم فيه طرق لدفع التعارض، وهذا الأمر أنت أعلم به، لأنك درست الأصول، ورسالتك فيه ..

ابتداء الجمع، وهو الصحيح، خلافا للحنفية الذين يقولون بالنسخ بالنص، ثم الجمع .. وإن تعذر لعدم معرفة التاريخ .. يرجع للترجيح ..

وجدنا ابن عباس ينقل ما يفعل، كما نصح سرا أنكر جهرا على علي -رضي الله عنه- حين حرّق من حرّق ممن كانت تسول لهم عقيدتهم الفاسدة .. فأمر بحفر حفرة، وأجّج النار، وألقى من سوّلت له نفسه ذلك فيها، فقال ابن عباس -رضي الله عنه- منكرا هذا الفعل: لو كنت أنا لم أحرّقهم، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تعذبوا بعذاب الله ..) الحديث.
وفعلا الذين لم يتمكن منهم اعتقدوا زيادة، وقالوا تأكدنا أنه إله فعبدوه، وأسندوا إليه هذه العقيدة الفاسدة ..

المهم أن ابن عباس -رضي الله عنه- عنده إنكار في غيبته، وحديث النصح سرا بينك وبينه، وفيه رواية: إذا خشيت أن يقتلك .. أو في هذا المعنى.

فيه أحاديث هكذا، وأحاديث هكذا، وفيه أعمال الصحابة -رضي الله عنهم- وهي كثيرة، ولم يَرِد نكير من غيرهم، بحيث كانوا ينكرون كأبي سعيد -رضي الله عنه- مع مروان، وعائشة -رضي الله عنها- مع الحجاج، وغيرهم .. كل هذه الآثار موجودة، ولم يرد أنهم أنكروا عليهم مثل هذه الآثار ..
فهذه مع الأخرى في جانب، وفيه أخرى تعارضها، فالمجتهد يحاول الجمع.

فيه من جمع بطريق؛ وهو الألباني -رحمه الله-، قال إذا فعل الحاكم منكرا علنا؛ فينكر عليه علنا، وإن كان سرا فينكر سرا.
وبعضهم قال ينكر سرا ابتداء، وإذا لم يصل إليه لابد من إنكار لتحقيق الحق وبيانه، لألا تنقض الشريعة.

هناك طرق كثيرة، من بينها هذه الأخيرة.
أولا إن كان يصل إليه، أو قريب منه .. ينكر سرا، أو وجد أحد مستشاريه .. فإذا استطاع إلى ذلك سبيلا، أو بإرسال رسالة إذا استطاع، لكن غالبا لا تصل، لأن فيه من يقرؤها قبل وصولها، ولا يريدون إطلاع الحاكم عليها؛ فكانك لم تفعل شيئا ..

الطريق الأسلم: إذا استطاع هذا يفعل؛ وإلا ينكر علنا، لكن بمراعاة مقاصد الشريعة، والأحكام، بمراعاة المفاسد والمصالح، فلا ينكر للتأليب، والتشهير، وغيرها .. على نحو أن تأخذ الناس الغيرة الدينية على الخروج، إنما باللّطف واللّين .. فهذه الصورة هي التي تجمع بين كافة الأدلة.

تجد بعض الصحابة عندما ينكرون ينكرون بشدة، لأنه أمر متعارف عليه في زمنهم، ويقبلون هذا التصرف .. بعد ذلك تغيرت الأمور، وأصبحوا يتشددون، فاحتاج المقام إلى اللّين ..

لا يقول أنا أكتفي بدليل السرّ؛ وأترك الأحاديث الأخرى وفعل الصحابة ..
وأنت كمبدأ عندك أنك تتّبع الكتاب والسنة بفهم السلف، وهذا فهم سلف الأمة، ولم يرِد نكير ..
هناك إنكار أبي سعيد، فيه من أنكر عليه؟!
ما فيه.
الأمر واضح، إن خالف الشريعة؛ فيه من عاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقول الحق مهما كان، ولا تأخذه في الله لومة لائم.

ذكر ابن القيم الإنسان لا يعمل أو يرى من جهة ولا يرى من أخرى، بل الواجب أن يجمع، ومهما كان الجمع فإنه ينظر إلى الذي هو أقرب إلى مقاصد التشريع، ولا ينظر بنظرة معينة.