المواضيع الأخيرة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 13 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 13 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 89 بتاريخ الثلاثاء 11 أغسطس 2015, 12:23
الدَّلِيلُ المُغْنِيُّ فِي جَوَازِ الإِنْكَارِ العَلَنِيِّ عَلَى وُلاَّةِ الأُمُورِ بِضَوَابِطِهِ، كما جاءَ في فتاوى فضِيلة الشَّيخ أبي عبد المُعزّ محمّد علي فركوس -حفظه الله تعالىٰ
صفحة 1 من اصل 1
الدَّلِيلُ المُغْنِيُّ فِي جَوَازِ الإِنْكَارِ العَلَنِيِّ عَلَى وُلاَّةِ الأُمُورِ بِضَوَابِطِهِ، كما جاءَ في فتاوى فضِيلة الشَّيخ أبي عبد المُعزّ محمّد علي فركوس -حفظه الله تعالىٰ
الدَّلِيلُ المُغْنِيُّ فِي جَوَازِ الإِنْكَارِ العَلَنِيِّ عَلَى وُلاَّةِ الأُمُورِ بِضَوَابِطِهِ، كما جاءَ في فتاوى فضِيلة الشَّيخ أبي عبد المُعزّ محمّد علي فركوس -حفظه الله تعالىٰ-
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
بتوفيق الله تعالى ارتأيتُ إلى جَمْعِ ما سَاقَهُ فضيلة الشّيخ أبي عبد المُعزّ محمّد علي فركوس -حفظه الله تعالىٰ- مِن الآثارَ الدَّالَّةَ على الإنكار العلنيِّ على وليِّ الأمر في حَضرَتِه وغَيْبَتِه والّتي تُفَنِّدُ شُبُهاتِ المُعترِضين، واتّهامات المُخالفين، سواءً من السُّنَّة النّبويّة، أو من أقوال وأفعال الصّحابة رضي الله عنهم، ومن التّابعين والأئمّة والمُتأخِّرين عليهم رحمة الله جميعًا. وقد أورد الشّيخ -حفظه الله تعالىٰ-أكثر من عِشْرِينَ (٢٠) دليلاً مُتنوّعًا بين الفتاوى والتّعقيبات في هذه المسألة، وهذا إنْ دَلَّ على شيءٍ إنّما يدُلُّ على غَزَارَةِ عِلمِ الشّيخ -وفّقه الله تعالىٰ-، وَسَعَةِ اطِّلاَعِهِ، وحِرصِهِ على تقديم الحُجَجِ، وبَسْطِ الاستدلالات. وإليكم ما جاء فيها:
١- أخرج الطَّبَرَانِيُّ في «المُعجم الكبير» [١١-(١٩/٣٩٣)] وَ«الأوسط» (١٢-(٥/٢٧٩)]، وأبو يعلى في «مسنده» (١٣)، وابنُ عساكر في «تاريخ دمشق» [١٤-(٥٩/١٦٨)]، مِن حديثِ مُعاويةَ رضي الله عنه أنَّه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَتَكُونُ أَئِمَّةٌ مِنْ بَعْدِي يَقُولُونَ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ يَتَقَاحَمُونَ فِي النَّارِ كَمَا تَقَاحَمُ القِرَدَةُ» [الحديث صَحَّحه الألبانيُّ في «السِّلسلة الصَّحيحة» (٤/٣٩٨)، وحسين أسد مُحقِّق «مسند أبي يعلى» (١٣/٣٧٣)].
٢- عن سالمٍ عن أَبيه عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما قال: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَاهُ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ» [أخرجه البُخاريُّ في «المغازي» بابُ بعثِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم خالدَ بنَ الوليد إلى بني جَذِيمة (٤٣٣٩)، وفي «الأحكام» (٧١٨٩) باب: إذا قضى الحاكم بجَوْرٍ أو خلاف أهلِ العِلم فهو رَدٌّ].
٣- عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ يزيدَ، قال: صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَاسْتَرْجَعَ، ثُمَّ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ» [مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البُخاريُّ في «الجمعة» باب الصّلاة بمِنًى (١٠٨٤)، ومسلمٌ في «صلاة المسافرين وقصرِها» بابُ قصرِ الصّلاة بمِنًى (٦٩٥)]؛ زاد أبو داود: قَالَ: الْأَعْمَشُ: فَحَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ أَشْيَاخِهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ صَلَّى أَرْبَعًا، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: «عِبْتَ عَلَى عُثْمَانَ ثُمَّ صَلَّيْتُ أَرْبَعًا»، قَالَ: «الْخِلَافُ شَرٌّ» [أخرجه أبو داود في «المناسك» باب الصّلاة بمِنًى (١٩٦٠)، وانظر: «السِّلسلة الصّحيحة» (١/٤٤٤، ٦/٣٨٨)].
٤- عن مروانَ بنِ الحَكَمِ، قالَ: شَهِدْتُ عُثْمانَ وعَلِيًّا، وعُثْمانُ يَنْهى عَنِ المُتْعَةِ وأنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُما [أي: الحجِّ والعمرة، وهو القِرانُ، وهو مِنَ المُتعة لأنَّ فيه التَّرَفُّهَ بتركِ أحَدِ السَّفَرَين]، فَلَمَّا رَأى عَلِيٌّ أهَلَّ بِهِما: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وحَجَّةٍ، قالَ: «ما كُنْتُ لِأَدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ أحَدٍ» [مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البُخاريُّ في «الحجِّ» باب التّمتُّع والإقران والإفراد بالحجِّ، وفسخِ الحجِّ لمَنْ لم يكن معه هديٌ (١٥٦٣)، ومسلمٌ في «الحجِّ» باب جواز التّمتُّع (١٢٢٣)].
٥- عن عكرمة: «أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلَامِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «لَوْ كُنْتُ أَنَا لَقَتَلْتُهُمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، وَلَمْ أَكُنْ لِأُحَرِّقَهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللهِ»»، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ: «صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ»» [أخرجه البُخاريُّ في «الجهاد والسِّيَر» باب: لا يُعذَّب بعذاب الله (٣٠١٧)، واللّفظُ للتّرمذيِّ في «الحدود» بابُ ما جاء في المُرتدِّ (١٤٥٨)].
٦- عن عِياض بنِ عبد الله، عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قال: «كُنَّا نُخْرِجُ -إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ -عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ- صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ؛ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: «إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ»، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ»؛ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ، أَبَدًا مَا عِشْتُ» [أخرجه مسلمٌ في «الزّكاة» باب زكاة الفطر على المسلمين مِنَ التّمر والشّعير (٩٨٥)].
٧- قال أبو قلابة: «كُنْتُ بِالشَّامِ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ، فَجَاءَ أَبُو الْأَشْعَثِ، قَالَ: قَالُوا: أَبُو الْأَشْعَثِ، أَبُو الْأَشْعَثِ، فَجَلَسَ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا غَزَاةً وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ، فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَهَا فِي أُعْطِيَاتِ النَّاسِ، فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَبَلَغَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَقَامَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى»، فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ! فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَعَادَ القِصَّةَ، ثُمَّ قَالَ: «لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ -أَوْ قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ- مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ»» [أخرجه مسلم في «المساقاة» (١١/١٣)، باب الصّرف وبيع الذّهب بالورق نقدًا].
٨- عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ: كَانَ مَرْوَانُ عَلَى الحِجَازِ: اسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ فَخَطَبَ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ لِكَيْ يُبَايَعَ لَهُ بَعْدَ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا، فَقَالَ: «خُذُوهُ»، فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ فَلَمْ يَقْدِرُوا، فَقَالَ مَرْوَانُ: «إِنَّ هَذَا الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: ﴿وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ﴾ [الأحقاف: ١٧]»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ مِنْ وَرَاءِ الحِجَابِ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِينَا [أي: في بني أبي بكرٍ، وإلَّا فقَدْ نَزَل في الثّناء على أبيها آياتٌ] شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عُذْرِي» [أخرجه البُخاريُّ في «تفسير القرآن» باب: ﴿وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٧﴾ [الأحقاف]، (٤٨٢٧)]، وفي رواية الحاكم: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ مُعَاوِيَةُ لِابْنِهِ يَزِيدَ قَالَ مَرْوَانُ: «سُنَّةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: «سُنَّةُ هِرَقْلَ وَقَيْصَرَ!»، فَقَالَ: «أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ: ﴿وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ﴾ [الأحقاف: ١٧] الْآيَةَ»، قَالَ: فَبَلَغَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: «كَذَبَ -وَاللَّهِ- مَا هُوَ بِهِ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ أَبَا مَرْوَانَ وَمَرْوَانُ فِي صُلْبِهِ؛ فَمَرْوَانُ قَصَصٌ [أو فَضَضٌ (فَضَضٌ: أي: قطعةٌ وطائفةٌ منها، [انظر: «النّهاية» لابن الأثير (٣/ ٤٥٤)] مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» [أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٨٤٨٣)، وقال: «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يُخرِجاه»؛ وقال الذّهبيُّ في «التّلخيص»: «فيه انقطاعٌ»؛ وانظر: «السِّلسلة الصّحيحة» (٧/٧٢٢) عند الحديث رقم: (٣٢٤٠)].
٩- إنكار الصَّحابيُّ الجليلُ أبو سعيدٍ الخُدريُّ رضي اللهُ عنه على مروانَ بنِ الحَكَمِ في تقديمِهِ الخُطبةَ على صلاة العيد من غير تشهيرٍ ولا تأليبٍ، ولكنَّه كان علنًا على مَرْأًى وَمَسْمَعٍ مِنَ الصَّحابةِ وغيرِهم مِنْ غيرِ نكيرٍ. [أخرجه البخاريُّ في «أبواب العيدين» (٢/١٧) باب الخروج إلى المُصلَّى بغير منبرٍ، ومسلمٌ في «صلاة العيدين» (١/٦٩) باب بيانِ كَوْنِ النَّهيِ عن المُنكَرِ مِنَ الإيمانِ، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه].
١٠- إنكارُ كعب بنِ عُجرةَ رضي الله عنه علنًا على عبد الرّحمن بنِ أمِّ الحَكَم، حين «دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمِّ الْحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، فَقَالَ: «انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ﴾ [الجمعة: ١١]»» [أخرجه مسلمٌ في «الجمعة» باب في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ﴾ [الجمعة: ١١] (٨٦٤)].
١١- عن عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ، فَقَالَ: «قَبَّحَ اللهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا»، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ [أخرجه مسلمٌ في «الجمعة» (٨٧٤)].
١٢- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: «أَنَّ نَاسًا كَانَ بِهِمْ سَقَمٌ، قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ آوِنَا وَأَطْعِمْنَا»، فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا: «إِنَّ المَدِينَةَ وَخِمَةٌ»، فَأَنْزَلَهُمُ الحَرَّةَ فِي ذَوْدٍ لَهُ، فَقَالَ: «اشْرَبُوا أَلْبَانَهَا»، فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا ذَوْدَهُ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَكْدِمُ الأَرْضَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَمُوتَ»؛ قَالَ سَلَّامٌ: فَبَلَغَنِي أَنَّ الحَجَّاجَ قَالَ لِأَنَسٍ: «حَدِّثْنِي بِأَشَدِّ عُقُوبَةٍ عَاقَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، فَحَدَّثَهُ بِهَذَا؛ فَبَلَغَ الحَسَنَ فَقَالَ: «وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ بِهَذَا» [أخرجه البُخاريُّ في «الطِّبِّ» (٥٦٨٥) باب الدّواء بألبان الإبل].
١٣- عن موسى بنِ أنسٍ قال: «خطَبَ الحجَّاج بنُ يوسفَ النَّاسَ فقال: «اغسِلوا وجوهَكم وأيديَكم وأرجلَكم، فاغسِلوا ظاهِرَهما وباطِنَهما وعراقيبَهما، فإنَّ ذلك أَقرَبُ إلى جَنَّتكم»، فقال أنسٌ: «صدَقَ اللهُ، وكذَبَ الحجَّاج؛ ﴿وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلِكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَيۡنِ﴾ [المائدة: ٦]»»، قال: «قرَأَها جرًّا» [أخرجه البيهقيُّ في «السُّنَنِ الكُبرى» (٣٣٩)، وصحَّح إسنادَه ابنُ كثيرٍ في «تفسير القرآن العظيم» (٣/٥٢) طبعة دار طيبة للنّشر].
١٤- قال ابنُ القيِّمِ -رحمه الله-: «ما قاله عبادةُ بنُ الصَّامِتِ وغيرُه: بايعنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم على أن نقولَ بالحقِّ حيث كُنَّا، ولا نخافَ في اللهِ لومةَ لائمٍ ونحن نشهدُ [بالله] أنَّهم وَفَّوْا بهذه البَيعةِ، وقالوا بالحقِّ، وصَدعوا به، ولم تأخذهم في اللهِ لومةُ لائمٍ، ولم يكتموا شيئًا منه مخافةَ سوطٍ ولا عصًا ولا أميرٍ ولا والٍ كما هو معلومٌ لِمَن تأمَّلَهُ مِنْ هديهِم وسيرتِهم، فقد أنكر أبو سعيدٍ على مروانَ وهو أميرٌ على المَدينةِ، وأنكر عُبادةُ بنُ الصَّامِتِ على معاويّةَ وهو خليفَةٌ، وأنكر ابنُ عمرَ على الحَجَّاج مع سَطوتِهِ وبأسِهِ، وأنكرَ على عمرٍو بنِ سعيدٍ وهو أميرٌ على المَدينةِ، وهذا كثيرٌ جِدًّا مِن إنكارِهم على الأمراءِ والوُلاَّةِ إذا خرجوا عن العَدلِ لم يخافوا سَوْطَهُم ولا عقوبتَهم، ومَن بعدَهم لم تكن لهم هذه المَنزلةُ، بل كانوا يتركون كثيرًا مِنَ الحقِّ خوفًا مِنْ وُلاَّةِ الظُّلم وأمراءِ الجَوْرِ، فمِنَ المُحالِ أن يُوَفَّقَ هؤلاءِ للصَّوابِ ويُحْرَمَهُ أصحابُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم» [«إعلام المُوَقِّعين» لابن القيّم (٤/١١٠)].
١٥- قال النَّووي -رحمه الله-: «وَفيهِ الأَدبُ مع الأُمَرَاءِ واللُّطفُ بِهم وَوَعْظُهُمْ سِرًّا وَتَبْلِيغُهُمْ ما يقولُ النَّاسُ فِيهِم لِيَنْكَفُّوا عَنهُ، وَهَذَا كُلُّه إذا أَمكَنَ ذلك، فإِنْ لم يُمكنِ الوَعظُ سِرًّا وَالإِنكارُ فَلْيَفْعَلْهُ عَلانِيَّةً؛ لِئَلَّا يَضِيعَ أَصلُ الحَقِّ» [«شرح مسلم» (١٨/١١٨].
١٦- وقال أيضًا -رحمه الله-: «قال العلماءُ: ولا يَختصُّ الأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عن المُنكَرِ بأصحابِ الولاياتِ، بل ذلك جائزٌ لآحادِ المُسلمينَ؛ قال إمامُ الحَرمَينِ: والدَّليلُ عليه: إجماعُ المُسلمينَ، فإنَّ غَيْرَ الوُلاَّةِ في الصَّدرِ الأَوَّلِ والعَصرِ الَّذي يليهِ كانوا يَأمرونَ الوُلاَّةَ بِالمَعروفِ ويَنهَوْنَهم عَنِ المُنكَرِ، مع تقريرِ المُسلمِينَ إيَّاهم وتركِ توبيخِهم على التَّشاغُل بالأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ مِنْ غيرِ وِلايةٍ» [المصدر السّابق (٢/ ٢٣)].
١٧- وقال -رحمه الله- في موضعٍ آخر: «هذا الكلام يتضمَّن إنكارَ المنكر، والإنكارَ على وُلاَّة الأمور إذا خالفوا السُّنَّة» [«شرح مسلم» للنّووي (٦/ ١٥٢)].
١٨- قال الصَّنعانِيُّ -رحمه الله- شارحًا معنى الحديث: ««سَتَكُونُ أَئِمَّةٌ مِنْ بَعْدِي يَقُولُونَ» أي: المُنْكَرَ مِنَ القَوْلِ، بدليل قوله: «فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ» مهابةً لهم وخوفًا مِن بطشهِم، «يَتَقَاحَمُونَ فِي النَّارِ»، أي: يقعونَ فيها كما يَقتحِمُ الإنسانُ الأمرَ العظيمَ ويرمي نفسَهُ فيه بلا رَوِيَّةٍ، «كَمَا تَقَاحَمُ القِردةُ» أي: في الأمرِ الّذي يثبت عليه هذا، ويحتملُ أنَّ الضَّميرَ «يَتَقَاحَمُونَ» للأئمَّةِ ولِمَن لم يَرُدَّ عليهِم مُداهنَةً وتهاوُنًا في الدِّينِ» [«التَّنوير شرح الجامع الصغير» (٦/٣٩٠)]).
١٩- سُئِل الشّيخ عبد العزيز بنِ بازٍ - رحمه الله-: ما ضابط الإنكار مِنْ حيث الإسرارُ والجهرُ به، وإذا لم يُجْدِ الإسرارُ فهل يُجْهَر بالإنكار؟ وهل هنالك فرقٌ بين الحاكم والمحكوم في هذه المسألة؟ وكيف نوجِّه قصَّةَ أبي سعيدٍ الخُدريِّ مع الخليفة [كذا والّصواب: الأمير؛ فإنَّ المقصودَ هو مروانُ وكان يومَئذٍ أميرَ المدينة لا خليفةً] في تقديم الخُطبة على الصّلاة، وقصَّةَ سلمان مع عمر في قصَّةِ القميص، وغيرَها مِنَ الوقائع؟ فأجاب -رحمه الله-: «الأصل أنَّ المُنكِر يتحرَّى ما هو الأصلحُ والأقربُ إلى النّجاح، فقَدْ ينجح في مسألةٍ مع أميرٍ ولا ينجح مع الأمير الثّاني، فالمسلم النّاصح يتحرَّى الأمورَ الّتي يرجو فيها النّجاح، فإذا كان جَهْرُه بالنّصيحة في موضعٍ يفوت الأمرُ فيه، مِثل قصَّةِ أبي سعيدٍ، والرَّجلِ الٌذي أَنكرَ على مروانَ إخراجَ المِنبَر وتقديمَ الصّلاة، فهذا لا بأسَ لأنّه يفوت؛ أمَّا إذا كان الإنكار على أمورٍ واقعةٍ، ويخشى أنّه إِنْ أَنكرَ لا يُقبَل منه أو تكون العاقبةُ سيِّئةً، فيفعل ما هو الأصلحُ، فإذا كان في مكانٍ أو في بلدٍ مع أيِّ شخصٍ، ويظهر له ويرتاح إلى أنَّ الأصلحَ مُباشَرةُ الإنكار باللّسان والجهر معه فلْيَفعل ذلك ويتحرَّى الأصلحَ؛ لأنَّ النّاس يختلفون في هذه المسائل: فإذا رأى المصلحةَ ألَّا يجهر، وأَنْ يتَّصِل به كتابةً أو مُشافهةً فَعَل ذلك؛ لأنَّ هذه الأمورَ تختلف بحسَبِ أحوال النّاس؛ وكذلك الشّخص المُعين يحرص على السَّتر مهما أَمكنَ، ويزوره، أو يُكاتبه، وإذا كان يرى مِنَ المصلحة أنّه إذا جَهَر قال: فلانٌ فَعَل كذا، ولم تنفع فيه النّصيحة السِّرِّيَّة، ورأى مِنَ المصلحة أنّه ينفع فيه هذا الشّيء فيفعل الأصلحَ، فالنّاس يختلفون في هذا، والإنسان إذا جَهَر بالمُنكَر فليس له حُرمةٌ إذا جَهَر به بين النّاس، فليس لمجاهر الفسق حرمةٌ في عدم الإنكار عليه، وقد ذكروا أنَّ الغِيبة في حقِّ مَنْ أَظهرَ الفسقَ لا تكون غِيبةً إذا أَظهرَه ولم يستحِ» [دروس للشّيخ عبد العزيز بن باز (٩/١٧)].
٢٠- قال الشّيخ محمّد ناصِرُ الدِّين الألبانيّ -رحمه الله-: «فإذا الحاكم خالف الشّريعةَ علنًا فالإنكار عليه علنًا لا مُخالفةَ للشّرع في ذلك، لأنَّ هؤلاء الّذين يسمعون الإنكارَ [يعني: المنكر] مِنَ الحاكم -وإنكاره مُنكَرٌ- يدخل في قلوبهم فيما إذا لم يُنكَرِ المُنكَر مِنَ العالم على ذلك الحاكم؛ فهذا وجهُ حديثِ أبي سعيدٍ، لكنَّ هذا لا يُناقض القاعدةَ الّتي جاء ذِكرُها في الرِّسالة» [مِنْ درسٍ صوتيٍّ منشور على الشّبكة العنكبوتيَّة].
٢١- قال الشّيخ محمّد بن صالح العُثيمين -رحمه الله-: «فإذا رأينا أنَّ الإنكار علنًا يزولُ به المُنكَرُ ويحصلُ به الخيرُ فلنُنْكِرْ عَلَنًا، وإذا رأينا أنَّ الإنكارَ عَلَنًا لا يزول به الشَّرُّ، ولا يحصل به الخيرُ بل يزدادُ ضغطُ الوُلاةِ على المُنكرينَ وأهلِ الخيرِ، فإنَّ الخيرَ أَنْ نُنكرَ سِرًّا، وبهذا تجتمعُ الأدلَّة، فتكونُ الأدلَّةُ الدَّالَّةُ على أنَّ الإنكارَ يكون علنًا: فيما إذا كُنَّا نتوقَّعُ فيه المَصلحةَ، وهي حصولُ الخيرِ وزوالُ الشَّرِّ، والنُّصوصُ الدَّالَّةُ على أنَّ الإنكارَ يكونُ سِرًّا: فيما إذا كان إعلانُ الإنكارِ يزدادُ به الشَّرُّ ولا يحصلُ به الخيرُ» [«لقاء الباب المفتوح» (٦٢/١٠)].
٢٢- وقال أيضًا -رحمه الله-: «كذلك -أيضًا- في مسألةِ مُناصحة الوُلَّاة: مِنَ النّاس مَنْ يريد أَنْ يأخذ بجانبٍ مِنَ النُّصُوص وهو إعلانُ النَّكِير على وُلَّاة الأمور مهما تَمَخَّض عنه مِنَ المفاسد، ومنهم مَنْ يقول: لا يمكن أَنْ نُعلِن مُطلَقًا، والواجب أَنْ نُناصح وُلَّاةَ الأمور سِرًّا كما جاء في النَّصِّ الّذي ذَكَره السٌائل، ونحن نقول: النُّصُوص لا يُكَذِّب بعضُها بعضًا، ولا يُصادِم بعضُها بعضًا، فيكون الإنكار مُعلَنًا متى؟ عند المصلحة، والمصلحة هي أَنْ يزول الشَّرُّ ويحلَّ الخيرُ، ويكون سرًّا إذا كان إعلان الإنكار لا يخدم المصلحةَ، لا يزول به الشٌرُّ ولا يحلُّ به الخير». [«لقاء الباب المفتوح» (٦٢/١٠)].
٢٣- قال الشّيخ مُقبِل بنِ هادي الوادعيِّ -رحمه الله-: «مسألة الخروج عليهم: فما داموا مسلمين لا يُخْرَجُ عليهم: «إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»؛ وأمَّا الانكار عليهم فلا بأسَ بذلك، مع إعلام المسلمين أنّك لستَ داعِيَ ثورةٍ، ولا داعِيَ انقلاباتٍ، ولكِنْ تدعو إلى تغيير هذا المُنكَر» [مِن شريط: «أسئلة بني قيس بحاشد»].
٢٤- قال الشّيخ عبد الله بن قعود -رحمه الله-: «فأنا أرى إن كان هذا الأمرُ الّذي سيُنصح به أمرًا ظاهرًا ومُعلَنًا وواضحًا، فالمُنكرُ المُعلنُ الواضحُ الظَّاهرُ أرى أنَّه لا حرج في أن يُناصَح الحاكم من مُواجهةٍ أو مِن عمودِ صحيفةٍ أو مِن مِنبرٍ أو بأيِّ أسلوبٍ من الأساليب، إذا كان المُنكر واضحًا وواقعًا في النّاس وعلنيًّا، فالقاعدة السَّليمةُ أنَّ ما يُنكَرُ إذا كان علنًا عُولِج ونُصِح به علنًا» [«شريط وصايا للدُّعاة: الجزء الثّاني» للشّيخ عبد الله بن حسن القعود].
هذا والأدلّة السّابقة ظاهرةٌ واضحةٌ جلِيَّةٌ لطالب الحقِّ والحُجَّةِ، وغيرها كثيرٌ لِمَنْ أراد البحث والاستكثار، "وعلَى المُخالف إذا نَسَب الخطأُ والشُّذوذُ إلى هذه الفتوى فإنّما ينسبهُ إلى هؤلاء المنقولِ عنهم مِنَ الصّحابة رضي الله عنهم والعُلماءِ الأثبات مِنْ بابٍ أَوْلَى!" أو كما قال الشّيخ -حفظه الله تعالىٰ-. كما تجدُر الإشارة إلى أنّ السَّعي مِن وراء هذا المبحث ليس فتحًا لِلجِدالِ والنِّقاشات العقيمة، ولكنّ الهدف منه إظهار الحقّ من كلِّ صَوْبٍ وإيضاحُه، بتقديم الأدلّة وإعمالها. وَكَمَا قِيلَ: "لَسْنَا هُنَا بِصَدَدِ الرَّدِّ عَلَى الَّذِينَ جَعَلُوا دِينَهُمْ عُرْضَةً لِلْخُصُومَاتِ وَالتَّمَارِي بِالبَاطِلِ، وَإِنَّمَا المُرَادُ إِيصَالُ الحَقِّ وَالنُّورِ لِمَنْ اِبْتَغَى إِلَيْهِمَا سَبِيلاً، وَإِبْطَالِ الشُّبُهَاتِ الَّتِي قَدْ تَعْلَقُ بِضِعَافِ البَصِيرَةِ".
نسأل الله تعالى الإخلاص في القول والعمل، وأن يُوفّقنا للحقّ والثّبات عليه هو وليّ ذلك والقادر عليه. والعِلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
جمعها العبد الفقير إلى عَفْوِّ رَبِّه: يحيىٰ أبو بكر -غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين-
مساء السّبت ٠٢ صفر ١٤٤٥ه، المُوافِق لِـ ١٩ أغسطس ٢٠٢٣م.
https://t.me/tib_hakaik
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
بتوفيق الله تعالى ارتأيتُ إلى جَمْعِ ما سَاقَهُ فضيلة الشّيخ أبي عبد المُعزّ محمّد علي فركوس -حفظه الله تعالىٰ- مِن الآثارَ الدَّالَّةَ على الإنكار العلنيِّ على وليِّ الأمر في حَضرَتِه وغَيْبَتِه والّتي تُفَنِّدُ شُبُهاتِ المُعترِضين، واتّهامات المُخالفين، سواءً من السُّنَّة النّبويّة، أو من أقوال وأفعال الصّحابة رضي الله عنهم، ومن التّابعين والأئمّة والمُتأخِّرين عليهم رحمة الله جميعًا. وقد أورد الشّيخ -حفظه الله تعالىٰ-أكثر من عِشْرِينَ (٢٠) دليلاً مُتنوّعًا بين الفتاوى والتّعقيبات في هذه المسألة، وهذا إنْ دَلَّ على شيءٍ إنّما يدُلُّ على غَزَارَةِ عِلمِ الشّيخ -وفّقه الله تعالىٰ-، وَسَعَةِ اطِّلاَعِهِ، وحِرصِهِ على تقديم الحُجَجِ، وبَسْطِ الاستدلالات. وإليكم ما جاء فيها:
١- أخرج الطَّبَرَانِيُّ في «المُعجم الكبير» [١١-(١٩/٣٩٣)] وَ«الأوسط» (١٢-(٥/٢٧٩)]، وأبو يعلى في «مسنده» (١٣)، وابنُ عساكر في «تاريخ دمشق» [١٤-(٥٩/١٦٨)]، مِن حديثِ مُعاويةَ رضي الله عنه أنَّه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَتَكُونُ أَئِمَّةٌ مِنْ بَعْدِي يَقُولُونَ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ يَتَقَاحَمُونَ فِي النَّارِ كَمَا تَقَاحَمُ القِرَدَةُ» [الحديث صَحَّحه الألبانيُّ في «السِّلسلة الصَّحيحة» (٤/٣٩٨)، وحسين أسد مُحقِّق «مسند أبي يعلى» (١٣/٣٧٣)].
٢- عن سالمٍ عن أَبيه عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما قال: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَاهُ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ» [أخرجه البُخاريُّ في «المغازي» بابُ بعثِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم خالدَ بنَ الوليد إلى بني جَذِيمة (٤٣٣٩)، وفي «الأحكام» (٧١٨٩) باب: إذا قضى الحاكم بجَوْرٍ أو خلاف أهلِ العِلم فهو رَدٌّ].
٣- عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ يزيدَ، قال: صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَاسْتَرْجَعَ، ثُمَّ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ» [مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البُخاريُّ في «الجمعة» باب الصّلاة بمِنًى (١٠٨٤)، ومسلمٌ في «صلاة المسافرين وقصرِها» بابُ قصرِ الصّلاة بمِنًى (٦٩٥)]؛ زاد أبو داود: قَالَ: الْأَعْمَشُ: فَحَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ أَشْيَاخِهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ صَلَّى أَرْبَعًا، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: «عِبْتَ عَلَى عُثْمَانَ ثُمَّ صَلَّيْتُ أَرْبَعًا»، قَالَ: «الْخِلَافُ شَرٌّ» [أخرجه أبو داود في «المناسك» باب الصّلاة بمِنًى (١٩٦٠)، وانظر: «السِّلسلة الصّحيحة» (١/٤٤٤، ٦/٣٨٨)].
٤- عن مروانَ بنِ الحَكَمِ، قالَ: شَهِدْتُ عُثْمانَ وعَلِيًّا، وعُثْمانُ يَنْهى عَنِ المُتْعَةِ وأنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُما [أي: الحجِّ والعمرة، وهو القِرانُ، وهو مِنَ المُتعة لأنَّ فيه التَّرَفُّهَ بتركِ أحَدِ السَّفَرَين]، فَلَمَّا رَأى عَلِيٌّ أهَلَّ بِهِما: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وحَجَّةٍ، قالَ: «ما كُنْتُ لِأَدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ أحَدٍ» [مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البُخاريُّ في «الحجِّ» باب التّمتُّع والإقران والإفراد بالحجِّ، وفسخِ الحجِّ لمَنْ لم يكن معه هديٌ (١٥٦٣)، ومسلمٌ في «الحجِّ» باب جواز التّمتُّع (١٢٢٣)].
٥- عن عكرمة: «أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلَامِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «لَوْ كُنْتُ أَنَا لَقَتَلْتُهُمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، وَلَمْ أَكُنْ لِأُحَرِّقَهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللهِ»»، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ: «صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ»» [أخرجه البُخاريُّ في «الجهاد والسِّيَر» باب: لا يُعذَّب بعذاب الله (٣٠١٧)، واللّفظُ للتّرمذيِّ في «الحدود» بابُ ما جاء في المُرتدِّ (١٤٥٨)].
٦- عن عِياض بنِ عبد الله، عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قال: «كُنَّا نُخْرِجُ -إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ -عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ- صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ؛ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: «إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ»، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ»؛ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ، أَبَدًا مَا عِشْتُ» [أخرجه مسلمٌ في «الزّكاة» باب زكاة الفطر على المسلمين مِنَ التّمر والشّعير (٩٨٥)].
٧- قال أبو قلابة: «كُنْتُ بِالشَّامِ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ، فَجَاءَ أَبُو الْأَشْعَثِ، قَالَ: قَالُوا: أَبُو الْأَشْعَثِ، أَبُو الْأَشْعَثِ، فَجَلَسَ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا غَزَاةً وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ، فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَهَا فِي أُعْطِيَاتِ النَّاسِ، فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَبَلَغَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَقَامَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى»، فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ! فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَعَادَ القِصَّةَ، ثُمَّ قَالَ: «لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ -أَوْ قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ- مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ»» [أخرجه مسلم في «المساقاة» (١١/١٣)، باب الصّرف وبيع الذّهب بالورق نقدًا].
٨- عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ: كَانَ مَرْوَانُ عَلَى الحِجَازِ: اسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ فَخَطَبَ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ لِكَيْ يُبَايَعَ لَهُ بَعْدَ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا، فَقَالَ: «خُذُوهُ»، فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ فَلَمْ يَقْدِرُوا، فَقَالَ مَرْوَانُ: «إِنَّ هَذَا الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: ﴿وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ﴾ [الأحقاف: ١٧]»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ مِنْ وَرَاءِ الحِجَابِ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِينَا [أي: في بني أبي بكرٍ، وإلَّا فقَدْ نَزَل في الثّناء على أبيها آياتٌ] شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عُذْرِي» [أخرجه البُخاريُّ في «تفسير القرآن» باب: ﴿وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٧﴾ [الأحقاف]، (٤٨٢٧)]، وفي رواية الحاكم: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ مُعَاوِيَةُ لِابْنِهِ يَزِيدَ قَالَ مَرْوَانُ: «سُنَّةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: «سُنَّةُ هِرَقْلَ وَقَيْصَرَ!»، فَقَالَ: «أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ: ﴿وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ﴾ [الأحقاف: ١٧] الْآيَةَ»، قَالَ: فَبَلَغَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: «كَذَبَ -وَاللَّهِ- مَا هُوَ بِهِ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ أَبَا مَرْوَانَ وَمَرْوَانُ فِي صُلْبِهِ؛ فَمَرْوَانُ قَصَصٌ [أو فَضَضٌ (فَضَضٌ: أي: قطعةٌ وطائفةٌ منها، [انظر: «النّهاية» لابن الأثير (٣/ ٤٥٤)] مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» [أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٨٤٨٣)، وقال: «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يُخرِجاه»؛ وقال الذّهبيُّ في «التّلخيص»: «فيه انقطاعٌ»؛ وانظر: «السِّلسلة الصّحيحة» (٧/٧٢٢) عند الحديث رقم: (٣٢٤٠)].
٩- إنكار الصَّحابيُّ الجليلُ أبو سعيدٍ الخُدريُّ رضي اللهُ عنه على مروانَ بنِ الحَكَمِ في تقديمِهِ الخُطبةَ على صلاة العيد من غير تشهيرٍ ولا تأليبٍ، ولكنَّه كان علنًا على مَرْأًى وَمَسْمَعٍ مِنَ الصَّحابةِ وغيرِهم مِنْ غيرِ نكيرٍ. [أخرجه البخاريُّ في «أبواب العيدين» (٢/١٧) باب الخروج إلى المُصلَّى بغير منبرٍ، ومسلمٌ في «صلاة العيدين» (١/٦٩) باب بيانِ كَوْنِ النَّهيِ عن المُنكَرِ مِنَ الإيمانِ، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه].
١٠- إنكارُ كعب بنِ عُجرةَ رضي الله عنه علنًا على عبد الرّحمن بنِ أمِّ الحَكَم، حين «دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمِّ الْحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، فَقَالَ: «انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ﴾ [الجمعة: ١١]»» [أخرجه مسلمٌ في «الجمعة» باب في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ﴾ [الجمعة: ١١] (٨٦٤)].
١١- عن عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ، فَقَالَ: «قَبَّحَ اللهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا»، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ [أخرجه مسلمٌ في «الجمعة» (٨٧٤)].
١٢- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: «أَنَّ نَاسًا كَانَ بِهِمْ سَقَمٌ، قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ آوِنَا وَأَطْعِمْنَا»، فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا: «إِنَّ المَدِينَةَ وَخِمَةٌ»، فَأَنْزَلَهُمُ الحَرَّةَ فِي ذَوْدٍ لَهُ، فَقَالَ: «اشْرَبُوا أَلْبَانَهَا»، فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا ذَوْدَهُ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَكْدِمُ الأَرْضَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَمُوتَ»؛ قَالَ سَلَّامٌ: فَبَلَغَنِي أَنَّ الحَجَّاجَ قَالَ لِأَنَسٍ: «حَدِّثْنِي بِأَشَدِّ عُقُوبَةٍ عَاقَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، فَحَدَّثَهُ بِهَذَا؛ فَبَلَغَ الحَسَنَ فَقَالَ: «وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ بِهَذَا» [أخرجه البُخاريُّ في «الطِّبِّ» (٥٦٨٥) باب الدّواء بألبان الإبل].
١٣- عن موسى بنِ أنسٍ قال: «خطَبَ الحجَّاج بنُ يوسفَ النَّاسَ فقال: «اغسِلوا وجوهَكم وأيديَكم وأرجلَكم، فاغسِلوا ظاهِرَهما وباطِنَهما وعراقيبَهما، فإنَّ ذلك أَقرَبُ إلى جَنَّتكم»، فقال أنسٌ: «صدَقَ اللهُ، وكذَبَ الحجَّاج؛ ﴿وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلِكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَيۡنِ﴾ [المائدة: ٦]»»، قال: «قرَأَها جرًّا» [أخرجه البيهقيُّ في «السُّنَنِ الكُبرى» (٣٣٩)، وصحَّح إسنادَه ابنُ كثيرٍ في «تفسير القرآن العظيم» (٣/٥٢) طبعة دار طيبة للنّشر].
١٤- قال ابنُ القيِّمِ -رحمه الله-: «ما قاله عبادةُ بنُ الصَّامِتِ وغيرُه: بايعنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم على أن نقولَ بالحقِّ حيث كُنَّا، ولا نخافَ في اللهِ لومةَ لائمٍ ونحن نشهدُ [بالله] أنَّهم وَفَّوْا بهذه البَيعةِ، وقالوا بالحقِّ، وصَدعوا به، ولم تأخذهم في اللهِ لومةُ لائمٍ، ولم يكتموا شيئًا منه مخافةَ سوطٍ ولا عصًا ولا أميرٍ ولا والٍ كما هو معلومٌ لِمَن تأمَّلَهُ مِنْ هديهِم وسيرتِهم، فقد أنكر أبو سعيدٍ على مروانَ وهو أميرٌ على المَدينةِ، وأنكر عُبادةُ بنُ الصَّامِتِ على معاويّةَ وهو خليفَةٌ، وأنكر ابنُ عمرَ على الحَجَّاج مع سَطوتِهِ وبأسِهِ، وأنكرَ على عمرٍو بنِ سعيدٍ وهو أميرٌ على المَدينةِ، وهذا كثيرٌ جِدًّا مِن إنكارِهم على الأمراءِ والوُلاَّةِ إذا خرجوا عن العَدلِ لم يخافوا سَوْطَهُم ولا عقوبتَهم، ومَن بعدَهم لم تكن لهم هذه المَنزلةُ، بل كانوا يتركون كثيرًا مِنَ الحقِّ خوفًا مِنْ وُلاَّةِ الظُّلم وأمراءِ الجَوْرِ، فمِنَ المُحالِ أن يُوَفَّقَ هؤلاءِ للصَّوابِ ويُحْرَمَهُ أصحابُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم» [«إعلام المُوَقِّعين» لابن القيّم (٤/١١٠)].
١٥- قال النَّووي -رحمه الله-: «وَفيهِ الأَدبُ مع الأُمَرَاءِ واللُّطفُ بِهم وَوَعْظُهُمْ سِرًّا وَتَبْلِيغُهُمْ ما يقولُ النَّاسُ فِيهِم لِيَنْكَفُّوا عَنهُ، وَهَذَا كُلُّه إذا أَمكَنَ ذلك، فإِنْ لم يُمكنِ الوَعظُ سِرًّا وَالإِنكارُ فَلْيَفْعَلْهُ عَلانِيَّةً؛ لِئَلَّا يَضِيعَ أَصلُ الحَقِّ» [«شرح مسلم» (١٨/١١٨].
١٦- وقال أيضًا -رحمه الله-: «قال العلماءُ: ولا يَختصُّ الأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عن المُنكَرِ بأصحابِ الولاياتِ، بل ذلك جائزٌ لآحادِ المُسلمينَ؛ قال إمامُ الحَرمَينِ: والدَّليلُ عليه: إجماعُ المُسلمينَ، فإنَّ غَيْرَ الوُلاَّةِ في الصَّدرِ الأَوَّلِ والعَصرِ الَّذي يليهِ كانوا يَأمرونَ الوُلاَّةَ بِالمَعروفِ ويَنهَوْنَهم عَنِ المُنكَرِ، مع تقريرِ المُسلمِينَ إيَّاهم وتركِ توبيخِهم على التَّشاغُل بالأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ مِنْ غيرِ وِلايةٍ» [المصدر السّابق (٢/ ٢٣)].
١٧- وقال -رحمه الله- في موضعٍ آخر: «هذا الكلام يتضمَّن إنكارَ المنكر، والإنكارَ على وُلاَّة الأمور إذا خالفوا السُّنَّة» [«شرح مسلم» للنّووي (٦/ ١٥٢)].
١٨- قال الصَّنعانِيُّ -رحمه الله- شارحًا معنى الحديث: ««سَتَكُونُ أَئِمَّةٌ مِنْ بَعْدِي يَقُولُونَ» أي: المُنْكَرَ مِنَ القَوْلِ، بدليل قوله: «فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ» مهابةً لهم وخوفًا مِن بطشهِم، «يَتَقَاحَمُونَ فِي النَّارِ»، أي: يقعونَ فيها كما يَقتحِمُ الإنسانُ الأمرَ العظيمَ ويرمي نفسَهُ فيه بلا رَوِيَّةٍ، «كَمَا تَقَاحَمُ القِردةُ» أي: في الأمرِ الّذي يثبت عليه هذا، ويحتملُ أنَّ الضَّميرَ «يَتَقَاحَمُونَ» للأئمَّةِ ولِمَن لم يَرُدَّ عليهِم مُداهنَةً وتهاوُنًا في الدِّينِ» [«التَّنوير شرح الجامع الصغير» (٦/٣٩٠)]).
١٩- سُئِل الشّيخ عبد العزيز بنِ بازٍ - رحمه الله-: ما ضابط الإنكار مِنْ حيث الإسرارُ والجهرُ به، وإذا لم يُجْدِ الإسرارُ فهل يُجْهَر بالإنكار؟ وهل هنالك فرقٌ بين الحاكم والمحكوم في هذه المسألة؟ وكيف نوجِّه قصَّةَ أبي سعيدٍ الخُدريِّ مع الخليفة [كذا والّصواب: الأمير؛ فإنَّ المقصودَ هو مروانُ وكان يومَئذٍ أميرَ المدينة لا خليفةً] في تقديم الخُطبة على الصّلاة، وقصَّةَ سلمان مع عمر في قصَّةِ القميص، وغيرَها مِنَ الوقائع؟ فأجاب -رحمه الله-: «الأصل أنَّ المُنكِر يتحرَّى ما هو الأصلحُ والأقربُ إلى النّجاح، فقَدْ ينجح في مسألةٍ مع أميرٍ ولا ينجح مع الأمير الثّاني، فالمسلم النّاصح يتحرَّى الأمورَ الّتي يرجو فيها النّجاح، فإذا كان جَهْرُه بالنّصيحة في موضعٍ يفوت الأمرُ فيه، مِثل قصَّةِ أبي سعيدٍ، والرَّجلِ الٌذي أَنكرَ على مروانَ إخراجَ المِنبَر وتقديمَ الصّلاة، فهذا لا بأسَ لأنّه يفوت؛ أمَّا إذا كان الإنكار على أمورٍ واقعةٍ، ويخشى أنّه إِنْ أَنكرَ لا يُقبَل منه أو تكون العاقبةُ سيِّئةً، فيفعل ما هو الأصلحُ، فإذا كان في مكانٍ أو في بلدٍ مع أيِّ شخصٍ، ويظهر له ويرتاح إلى أنَّ الأصلحَ مُباشَرةُ الإنكار باللّسان والجهر معه فلْيَفعل ذلك ويتحرَّى الأصلحَ؛ لأنَّ النّاس يختلفون في هذه المسائل: فإذا رأى المصلحةَ ألَّا يجهر، وأَنْ يتَّصِل به كتابةً أو مُشافهةً فَعَل ذلك؛ لأنَّ هذه الأمورَ تختلف بحسَبِ أحوال النّاس؛ وكذلك الشّخص المُعين يحرص على السَّتر مهما أَمكنَ، ويزوره، أو يُكاتبه، وإذا كان يرى مِنَ المصلحة أنّه إذا جَهَر قال: فلانٌ فَعَل كذا، ولم تنفع فيه النّصيحة السِّرِّيَّة، ورأى مِنَ المصلحة أنّه ينفع فيه هذا الشّيء فيفعل الأصلحَ، فالنّاس يختلفون في هذا، والإنسان إذا جَهَر بالمُنكَر فليس له حُرمةٌ إذا جَهَر به بين النّاس، فليس لمجاهر الفسق حرمةٌ في عدم الإنكار عليه، وقد ذكروا أنَّ الغِيبة في حقِّ مَنْ أَظهرَ الفسقَ لا تكون غِيبةً إذا أَظهرَه ولم يستحِ» [دروس للشّيخ عبد العزيز بن باز (٩/١٧)].
٢٠- قال الشّيخ محمّد ناصِرُ الدِّين الألبانيّ -رحمه الله-: «فإذا الحاكم خالف الشّريعةَ علنًا فالإنكار عليه علنًا لا مُخالفةَ للشّرع في ذلك، لأنَّ هؤلاء الّذين يسمعون الإنكارَ [يعني: المنكر] مِنَ الحاكم -وإنكاره مُنكَرٌ- يدخل في قلوبهم فيما إذا لم يُنكَرِ المُنكَر مِنَ العالم على ذلك الحاكم؛ فهذا وجهُ حديثِ أبي سعيدٍ، لكنَّ هذا لا يُناقض القاعدةَ الّتي جاء ذِكرُها في الرِّسالة» [مِنْ درسٍ صوتيٍّ منشور على الشّبكة العنكبوتيَّة].
٢١- قال الشّيخ محمّد بن صالح العُثيمين -رحمه الله-: «فإذا رأينا أنَّ الإنكار علنًا يزولُ به المُنكَرُ ويحصلُ به الخيرُ فلنُنْكِرْ عَلَنًا، وإذا رأينا أنَّ الإنكارَ عَلَنًا لا يزول به الشَّرُّ، ولا يحصل به الخيرُ بل يزدادُ ضغطُ الوُلاةِ على المُنكرينَ وأهلِ الخيرِ، فإنَّ الخيرَ أَنْ نُنكرَ سِرًّا، وبهذا تجتمعُ الأدلَّة، فتكونُ الأدلَّةُ الدَّالَّةُ على أنَّ الإنكارَ يكون علنًا: فيما إذا كُنَّا نتوقَّعُ فيه المَصلحةَ، وهي حصولُ الخيرِ وزوالُ الشَّرِّ، والنُّصوصُ الدَّالَّةُ على أنَّ الإنكارَ يكونُ سِرًّا: فيما إذا كان إعلانُ الإنكارِ يزدادُ به الشَّرُّ ولا يحصلُ به الخيرُ» [«لقاء الباب المفتوح» (٦٢/١٠)].
٢٢- وقال أيضًا -رحمه الله-: «كذلك -أيضًا- في مسألةِ مُناصحة الوُلَّاة: مِنَ النّاس مَنْ يريد أَنْ يأخذ بجانبٍ مِنَ النُّصُوص وهو إعلانُ النَّكِير على وُلَّاة الأمور مهما تَمَخَّض عنه مِنَ المفاسد، ومنهم مَنْ يقول: لا يمكن أَنْ نُعلِن مُطلَقًا، والواجب أَنْ نُناصح وُلَّاةَ الأمور سِرًّا كما جاء في النَّصِّ الّذي ذَكَره السٌائل، ونحن نقول: النُّصُوص لا يُكَذِّب بعضُها بعضًا، ولا يُصادِم بعضُها بعضًا، فيكون الإنكار مُعلَنًا متى؟ عند المصلحة، والمصلحة هي أَنْ يزول الشَّرُّ ويحلَّ الخيرُ، ويكون سرًّا إذا كان إعلان الإنكار لا يخدم المصلحةَ، لا يزول به الشٌرُّ ولا يحلُّ به الخير». [«لقاء الباب المفتوح» (٦٢/١٠)].
٢٣- قال الشّيخ مُقبِل بنِ هادي الوادعيِّ -رحمه الله-: «مسألة الخروج عليهم: فما داموا مسلمين لا يُخْرَجُ عليهم: «إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»؛ وأمَّا الانكار عليهم فلا بأسَ بذلك، مع إعلام المسلمين أنّك لستَ داعِيَ ثورةٍ، ولا داعِيَ انقلاباتٍ، ولكِنْ تدعو إلى تغيير هذا المُنكَر» [مِن شريط: «أسئلة بني قيس بحاشد»].
٢٤- قال الشّيخ عبد الله بن قعود -رحمه الله-: «فأنا أرى إن كان هذا الأمرُ الّذي سيُنصح به أمرًا ظاهرًا ومُعلَنًا وواضحًا، فالمُنكرُ المُعلنُ الواضحُ الظَّاهرُ أرى أنَّه لا حرج في أن يُناصَح الحاكم من مُواجهةٍ أو مِن عمودِ صحيفةٍ أو مِن مِنبرٍ أو بأيِّ أسلوبٍ من الأساليب، إذا كان المُنكر واضحًا وواقعًا في النّاس وعلنيًّا، فالقاعدة السَّليمةُ أنَّ ما يُنكَرُ إذا كان علنًا عُولِج ونُصِح به علنًا» [«شريط وصايا للدُّعاة: الجزء الثّاني» للشّيخ عبد الله بن حسن القعود].
هذا والأدلّة السّابقة ظاهرةٌ واضحةٌ جلِيَّةٌ لطالب الحقِّ والحُجَّةِ، وغيرها كثيرٌ لِمَنْ أراد البحث والاستكثار، "وعلَى المُخالف إذا نَسَب الخطأُ والشُّذوذُ إلى هذه الفتوى فإنّما ينسبهُ إلى هؤلاء المنقولِ عنهم مِنَ الصّحابة رضي الله عنهم والعُلماءِ الأثبات مِنْ بابٍ أَوْلَى!" أو كما قال الشّيخ -حفظه الله تعالىٰ-. كما تجدُر الإشارة إلى أنّ السَّعي مِن وراء هذا المبحث ليس فتحًا لِلجِدالِ والنِّقاشات العقيمة، ولكنّ الهدف منه إظهار الحقّ من كلِّ صَوْبٍ وإيضاحُه، بتقديم الأدلّة وإعمالها. وَكَمَا قِيلَ: "لَسْنَا هُنَا بِصَدَدِ الرَّدِّ عَلَى الَّذِينَ جَعَلُوا دِينَهُمْ عُرْضَةً لِلْخُصُومَاتِ وَالتَّمَارِي بِالبَاطِلِ، وَإِنَّمَا المُرَادُ إِيصَالُ الحَقِّ وَالنُّورِ لِمَنْ اِبْتَغَى إِلَيْهِمَا سَبِيلاً، وَإِبْطَالِ الشُّبُهَاتِ الَّتِي قَدْ تَعْلَقُ بِضِعَافِ البَصِيرَةِ".
نسأل الله تعالى الإخلاص في القول والعمل، وأن يُوفّقنا للحقّ والثّبات عليه هو وليّ ذلك والقادر عليه. والعِلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
جمعها العبد الفقير إلى عَفْوِّ رَبِّه: يحيىٰ أبو بكر -غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين-
مساء السّبت ٠٢ صفر ١٤٤٥ه، المُوافِق لِـ ١٩ أغسطس ٢٠٢٣م.
https://t.me/tib_hakaik
مواضيع مماثلة
» فتاوى (24) للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
» في إنشاء مصلى بدون رخصة..فضيلة الشيخ أبي عبد المعزّ محمّد علي فركوس -حفظه اللّه-
» جواب العلامة محمد فركوس - حفظه الله- عن استدلال الشيخ وصي الله عباس -حفظه الله- بأثر أنس - رضي الله عنه - على صحة الصلاة بالتباعد
» في حكم بناء مغسل للأموات في المسجد فضيلة الشيخ الدكتور أبي عبد المعزّ محمّد علي فركوس -حفظه اللّه-
» قامت دولة المغرب بتوحيد جميع خطب الجمعة إلى خطبة واحدة...؟فضيلة الشيخ أبي عبد المعزّ محمّد علي فركوس-حفظه اللّه-
» في إنشاء مصلى بدون رخصة..فضيلة الشيخ أبي عبد المعزّ محمّد علي فركوس -حفظه اللّه-
» جواب العلامة محمد فركوس - حفظه الله- عن استدلال الشيخ وصي الله عباس -حفظه الله- بأثر أنس - رضي الله عنه - على صحة الصلاة بالتباعد
» في حكم بناء مغسل للأموات في المسجد فضيلة الشيخ الدكتور أبي عبد المعزّ محمّد علي فركوس -حفظه اللّه-
» قامت دولة المغرب بتوحيد جميع خطب الجمعة إلى خطبة واحدة...؟فضيلة الشيخ أبي عبد المعزّ محمّد علي فركوس-حفظه اللّه-
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس 07 نوفمبر 2024, 21:34 من طرف يحيىٰ أبو بكر
» النُّكَتُ الحِسَانُ مِنْ مَجَالِسِ مَدِينَةِ تُونَان
الخميس 07 نوفمبر 2024, 21:25 من طرف يحيىٰ أبو بكر
» النُّكَتُ الحِسَانُ مِنْ مَجَالِسِ مَدِينَةِ تُونَان
الخميس 07 نوفمبر 2024, 21:15 من طرف يحيىٰ أبو بكر
» سئل شيخنا العلامة فركوس حفظه الله عن رجلان إختلف في مسألة من مسائل البيوع
الجمعة 25 أكتوبر 2024, 18:16 من طرف بسكرة السلفية
» سئل فضيلة الشيخ فركوس عن بعض الأشخاص والتجار من خارج ولاية العاصمة، يشترون إقامة لترقيم سياراتهم بال 16 حتى لا يتم عرقلتهم في الحواجز الأمنية.
الثلاثاء 22 أكتوبر 2024, 20:55 من طرف بسكرة السلفية
» في حكم إدخال الأولاد إلى روضة الأطفال _ فضيلة الشيخ محمد علي فركوس
الثلاثاء 22 أكتوبر 2024, 20:31 من طرف بسكرة السلفية
» فتوى رقم: ١٣٨٨ في حكمِ تأخيرِ ردِّ المالِ الزَّائدِ إلى المُشتري العلامة محمد علي فركوس-حفظه الله
الثلاثاء 22 أكتوبر 2024, 11:12 من طرف بسكرة السلفية
» سئل فضيلة الشيخ فركوس عن أحد عنده محل لبيع الأكل السّريع.. وقد حدث تسمّم لبعض من أكل عنده، هو يسأل عن تعويضهم.. وهل يعوض في الأيام التي يعملوا فيها بسبب مرضهم ؟!
الإثنين 21 أكتوبر 2024, 14:05 من طرف بسكرة السلفية
» في حكم جعلِ الصبيّ عقِبَ الإمام الشيخ فركوس حفظه اللّه
الأحد 20 أكتوبر 2024, 16:47 من طرف بسكرة السلفية