المواضيع الأخيرة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 23 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 23 زائر :: 3 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 89 بتاريخ الثلاثاء 11 أغسطس 2015, 12:23
في حكمِ تركِ المَبيتِ في مزدلفةَ العلامة محمد علي فركوس حفظه الله
منتديات بسكرة السلفية :: المنابر :: عالم الجزائر محمد بن علي فركوس حفظه الله :: فتاوى العلامة محمد بن علي فركوس حفظه الله
صفحة 1 من اصل 1
في حكمِ تركِ المَبيتِ في مزدلفةَ العلامة محمد علي فركوس حفظه الله
الفتوى رقم: ١٣٨١
الصنف: فتاوى الحجِّ والعُمْرة ـ أحكام الحجِّ
في حكمِ تركِ المَبيتِ في مزدلفةَ
السؤال:
شخصٌ حجَّ هذا العامَ مع أمِّه المُسِنَّةِ و زوجتِه؛ بعد الإفاضةِ مِنْ عرفةَ، وقبلَ دخولِ حدودِ مُزدلِفةَ بحوالَيْ ٥٠٠ مترٍ وجَدَ النَّاسَ قد افترشوا المَمشى، وازدحمَتِ الطَّريقُ بالحُجَّاجِ؛ وعندَ مُحاولَتِه تغييرَ الطَّريقِ ودخولَ مُزدلِفةَ ضاعَتْ والدَتُه، و بقيَ يبحثُ عنها اللَّيلَ كُلَّه؛ ولم يَجِدْها إلَّا قبلَ طلوعِ الشَّمسِ بقليلٍ؛ فهل عليه دمٌ هو ومَنْ معَه لعدمِ تمكُّنِهم مِنْ دخولِ مُزدلِفةَ إلَّا بعد طلوعِ الشَّمسِ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالمبيتُ فِي مُزدَلِفةَ للحاجِّ ليلةَ النَّحرِ ليس رُكنًا على الصَّحيحِ، فلو تَرَكَهُ الحاجُّ مِنْ غيرِ عذرٍ صحَّ حجُّهُ، وعليهِ دمٌ، وهو مذهبُ أكثرِ أهلِ العلم؛ خلافًا لمَنْ قال برُكنِيَّتِه وعدمِ صحَّةِ الحجِّ بدونه وانقلابه عُمرةً، وبه قالَ مِنْ أئِمَّةِ التَّابعينَ: علقمَةُ والأسودُ وَإبراهيمُ النَّخعِيُّون، وَالشَّعبِيُّ والحسنُ البصرِيُّ رحمهم الله؛ قال النَّوويُّ ـ رحمه الله ـ: «قد ذكَرْنا أنَّ المشهورَ مِنْ مذهبِنا أنَّه ليس بركنٍ، فلو ترَكَه صحَّ حجُّه؛ قال القاضي أبو الطَّيِّبِ وأصحابُنا: وبهذا قال جماهيرُ العلماءِ مِنَ السَّلف والخلفِ»(١)؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو بمُزدلِفةَ: «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَأَتَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ»، وفي لفظٍ للتِّرمذيِّ: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ»(٢)؛ ولأنَّه نُسُكٌ مقصودٌ في موضعٍ فكان واجبًا كالرَّميِ.
خلافًا لِمَنْ قال: إنَّ المَبيتَ بِمُزدَلِفةَ ركنٌ لا يَصحُّ الحجُّ إلَّا به، كالوقوفِ بعرَفةَ، استنادًا إلى قوله تعالى: ﴿فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٨]، وإلى الحديثِ المروِيِّ عن النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «مَنْ فَاتَهُ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ»(٣)، وبما أخرجه الطَّبرانيُّ وغيرُه مِنْ حديثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَقُلْتُ: «قَدْ أَحْفَيْتُ وَأَنْصَبْتُ وَفَعَلْتُ وَفَعَلْتُ»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْرَكَ جَمْعًا فَوَقَفَ مَع النَّاسِ [أو: الإِمَامِ] حَتَّى يُفِيضَ فَقَدْ أَدْرَكَ [الْحَجَّ]، وَمَنْ لَم يُدْرِكْ ذَلِك فَلَا حَجَّ لَهُ»(٤)، وعند النَّسائيِّ: «مَنْ أَدْرَكَ جَمْعًا مَعَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ حَتَّى يُفِيضَ مِنْهَا فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ النَّاسِ وَالْإِمَامِ فَلَمْ يُدْرِكْ»(٥).
ولا يخفى أنَّ الآيةَ لا دلالةَ فيها على رُكنيَّةِ المَبيتِ بمُزدلِفةَ؛ لأنَّ المأمورَ به في الآية هو الذِّكرُ؛ والذِّكرُ ليس ركنًا بالإجماع؛ قال الشِّنقيطيُّ ـ رحمه الله ـ: «وقد أَجمَعوا كُلُّهم على أنَّ مَنْ وَقَفَ بِمُزدَلِفةَ ولم يَذكُرِ اللهَ: أنَّ حَجَّهُ تامٌّ، فإذا كانَ الذِّكرُ المذكورُ في الكتابِ ليس مِنْ صُلْبِ الحَجِّ بإجماعِهم فالمَوطِنُ الَّذي يكونُ الذِّكرُ فيه أَحْرَى أَنْ لا يكونَ فَرْضًا؛ وأجابوا عن استدلالهم بمفهوم الشَّرط في حديثِ عُروةَ بنِ مُضرِّسٍ المذكورِ: «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ» الحديث(٦)، بأنَّهم أجمعوا كُلُّهم على أنَّه لو بات بمُزدلِفةَ ووقَفَ قبل ذلك بعَرَفةَ، ونام عن صلاة الصُّبحِ فلم يُصلِّها مع الإِمام حتَّى فاتَتْه أنَّه حجُّه تامٌّ؛ وقد قدَّمْنا دلالةَ حديثِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ يَعمَرَ على ذلك؛ وأجابوا عن رواية النَّسائيِّ الَّتي أشَرْنا إليها الَّتي قال فيها: أَخبرَنا محمَّدُ بنُ قُدامةَ قال: حدَّثني جريرٌ، عن مطرِّفٍ، عن الشَّعبيِّ، عن عُروةَ بنِ مُضرِّسٍ قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ أَدْرَكَ جَمْعًا مَعَ الإِمَامِ وَالنَّاسِ حَتَّى يُفِيضَ مِنْهَا فَقَدْ أَدْرَكَ، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ النَّاسِ وَالإِمَامِ فَلَمْ يُدْرِكْ»(٧) اهـ، بأنَّ هذه الزِّيادةَ في هذه الرِّوايةِ لم تثبت؛ قال ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» في بيانِ تضعيفِ الزِّيادةِ المذكورة: وقد ضعَّف [صنَّف] أبو جعفرٍ العقيليُّ جزءًا في إنكارِ هذه الزِّيادة، وبيَّن أنَّها مِنْ روايةِ مُطرِّفٍ عن الشَّعبيِّ، عن عُروةَ، وأنَّ مُطرِّفًا كان يَهِمُ في المتون؛ قال: وقد ارتكب ابنُ حزمٍ الشَّططَ فزعَمَ: أنَّ مَنْ لم يُصَلِّ صلاةَ الصُّبحِ بمُزدلِفةَ مع الإِمام: أنَّ الحجَّ يفوته، ولم يعتبر ابنُ قُدامةَ مُخالَفتَه هذه، فحكى الإِجماعَ على الإِجزاء كما حكاه الطَّحاويُّ. انتهى كلامُ ابنِ حجرٍ مع حذفٍ يسيرٍ»(٨).
وكذلك حديثُ: «مَنْ فَاتَهُ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ»(٩) لا حُجَّةَ فيه لعدمِ ثُبوتهِ بهذا اللَّفظ؛ فقد أَوردَه النَّوويُّ ـ رحمه الله ـ وقال: «ليسَ بثابتٍ ولا معروفٍ» ولم يَعْزُهُ إلى أيِّ مصدرٍ؛ فضلًا أنَّه يعارضُه ويعارضُ روايةَ النَّسائيِّ حديثُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ رضي الله عنه: أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ»(١٠)؛ فإنَّ مقتضى الحديثِ يفيدُ صِحَّةَ حجِّ مَنْ أَدركَ عَرَفةَ في آخِرِ جزءٍ مِنْ ليلةِ النَّحرِ قبلَ الصُّبحِ، مع أنَّه قد يُفوِّتُ المَبيتَ بمُزدلِفةَ عليه.
ثمَّ إنَّه على فَرَضِ صِحَّتِه وصِحَّةِ روايةِ النَّسائيِّ، فيُمكِنُ حملُه ـ جمعًا بين الأدلَّةِ ـ على فواتِ كمالِ الحجِّ دون فواتِ أصلِهِ(١١).
هذا، ووجوبُ الدَّمِ بتركِ المبيتِ خاصٌّ بمَنْ ترَكَهُ بلا عذرٍ، أمَّا مَنْ تركَهُ لعُذرٍ ـ سواءٌ كان العذرُ لأمرٍ عامٍّ أو خاصٍّ ـ فلا شيءَ عليه على الصَّحيحِ مِنْ أقوال العلماء، وقد ذكَرَ النَّوويُّ ـ رحمه الله ـ بعضَ الأمثِلةِ عن الأعذارِ منها: أنَّ مَنِ انتهى إلى عَرَفاتٍ ليلةَ النَّحر، واشتغَل بالوقوفِ عن المبيتِ بالمُزدلِفةِ فلا شيءَ عليه؛ ولو أفاضَ مِنْ عَرَفاتٍ إلى مكَّةَ وطافَ الإفاضةَ بعد نصفِ ليلةِ النَّحر ففاتَهُ المبيتُ بالمُزدلِفةِ بسببِ الطَّواف فلا شيءَ عليه(١٢)؛ ويدخلُ في هذا المعنى: مَنْ كان به مرضٌ يشقُّ معه المبيتُ، أو له مريضٌ يحتاج إلى تعهُّدِه، أو يطلبُ آبقًا أو قريبًا ضاع منه، أو يشتغلُ بأمرٍ آخَرَ يخافُ فَوْتَه، أو كالرُّعاةِ والسُّقاةِ؛ فلا دَمَ عليهم لِتركِ المبيتِ، ونحوِ ذلك مِنَ الأعذارِ المشمولَةِ بالرُّخصةِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: رخَّص للرُّعاةِ في تركِ المَبيتِ لحديثِ أبي البدَّاح بنِ عاصمِ بنِ عَدِيٍّ عن أبيه عاصمٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أَرخصَ لرِعاءِ الإبلِ في البيتوتةِ [خارجينَ] [عن مِنًى](١٣)، وأنَّ العبَّاسَ بنَ عبدِ المطَّلِبِ رضي الله عنه استأذنَ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنْ يَبيتَ بمكَّةَ لياليَ مِنًى مِنْ أجلِ سِقايَتِهِ فأَذِنَ له(١٤).
وعليه، فالظَّاهرُ أنَّ السَّائلَ ومَنْ معه الَّذين لم يتمكَّنوا مِنْ دخولِ مُزدلِفةَ إلَّا بعد طلوعِ الشَّمسِ(١٥) للأسبابِ المذكورةِ: أنَّهم مِنْ أهلِ الأعذارِ يَسقُطُ عنهم واجبُ جَبرِ تركِ المبيتِ بدمٍ.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٣ مِنَ المحرَّم ١٤٤٦هـ
المـوافق ﻟ: ٢٩ يوليو ٢٠٢٤ م .
(١) «المجموع» للنووي (٨/ ١٥٠).
(٢) أخرجه أحمد (١٦٢٠٨، ١٦٢٠٩، ١٨٣٠٠ ـ ١٨٣٠٤)، وأبو داود في «المناسك» بابُ مَنْ لم يُدرِك عَرَفةَ (١٩٥٠)، والتِّرمذيُّ في «الحجِّ» باب ما جاء في مَنْ أَدركَ الإمامَ بجَمْعٍ فقَدْ أَدركَ الحجَّ (٨٩١)، والنَّسائيُّ في «مناسك الحجِّ» بابٌ فيمَنْ لم يُدرِك صلاةَ الصُّبح مع الإمام بالمُزدلِفة (٣٠٣٩ ـ ٣٠٤٣)، وابنُ ماجه في «المناسك» بابُ مَنْ أتى عَرَفةَ قبل الفجرِ ليلةَ جَمْعٍ (٣٠١٦)، مِنْ حديثِ عُروةَ بنِ مُضرِّسٍ الطَّائيِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في تحقيقه للسُّنن الأربعةِ وفي «إرواء الغليل» (٤/ ٢٥٨) رقم: (١٠٦٦)، ومحقِّقُو طبعةِ الرِّسالة مِنَ «المُسنَد» (٢٦/ ١٤٢).
وبنحوه مِنْ حديثِ عبدِ الرَّحمن بنِ يَعمَرَ الدِّيليِّ رضي الله عنه: أحمدُ (١٨٧٧٣ ـ ١٨٧٧٥، ١٨٩٥٤)، وأبو داود (١٩٤٩)، والتِّرمذيُّ (٨٨٩)، والنَّسائيُّ (٣٠٤٤)، وابنُ ماجه (٣٠١٥)، ولفظُ أحمد: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْحَجِّ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: «الْحَجُّ يَوْمُ عَرَفَةَ أَوْ عَرَفَاتٍ، وَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَأَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ». وصحَّح إسنادَه الألبانيُّ في تحقيقِ «المشكاة» للتِّبريزي (٢/ ٨٢٩) رقم: (٢٧١٤)، وصحَّحه في تحقيقه للسُّنن الأربعة، وصحَّح إسنادَه مُحقِّقُو طبعةِ الرِّسالة (٣١/ ٦٣).
(٣) أَوردَه النَّوويُّ في «المجموع» (٨/ ١٥٠) ثمَّ قال: «ليس بثابتٍ ولا معروفٍ»، ولم يَعزُه إلى أيِّ مصدرٍ، وهو بنحوه في «الآثار» لأبي يُوسُفَ (٥٥٣) بلفظ: «إِذَا لَمْ يُدْرِكْ جَمْعًا فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ» موقوفًا على إبراهيمَ.
وقال أبو عبد الله محمَّدُ بنُ نصرِ بنِ الحجَّاجِ المَرْوَزِيُّ في «اختلاف العلماء» (٤٠٨): «قال سفيانُ: مَنْ وقَفَ بليلٍ بعرفاتٍ قبل أَنْ يَطلُعَ الفجرُ فقَدْ أَدرَكَ الحجَّ، ومَنْ لم يَقِفْ بجَمْعٍ أَهرَقَ دمًا؛ وهو قولُ أصحابِ الرَّأيِ ومالكٍ والشَّافعيِّ وأحمدَ؛ وذهبوا إلى حديثِ عبد الرَّحمنِ بنِ يَعمَرَ وإلى ما يُروَى عن أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم. قال أبو عبد الله: إذا لم يُدرِكِ الجَمْعَ فقَدْ فاتَه الحجُّ وإِنْ وقَفَ بعَرَفةَ؛ واحتجَّ بحديثِ عُروةَ بنِ مُضرِّسٍ. وقال: يروى هذا عن إبراهيمَ والشَّعبيِّ والحسنِ. وقال أبو عبدِ الله: العلماءُ عامَّةً على القول الأوَّل».
(٤) أخرجه الطَّبرانيُّ في «المُعجَم الكبير» (١٧/ ١٥١)، وأبو الحسنِ عليُّ بنُ عُمَرَ الحربيُّ السُّكَّريُّ في «الحربيَّات» (٢/ ٥)، وذكَرَه ابنُ عساكر في «تاريخ دمشق» (٧١/ ٦٧).
(٥) أخرجه النَّسائيُّ (٣٠٤٠)، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح النَّسائيِّ»، وقد تقدَّم.
(٦) انظر: (الهامش 2).
(٧) انظر: (الهامش 5).
(٨) «أضواء البيان» للشِّنقيطي (٥/ ٢٧٠).
(٩) انظر: (الهامش 3).
(١٠) أخرجه أبو داود الطَّيالسيُّ في «مُسنَده» (٢/ ٦٤٣)، والتِّرمذيُّ في «تفسير القرآن» باب: ومِنْ سورة البقرة (٢٩٧٥)، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح التِّرمذي».
(١١) انظر: «المجموع» للنووي (٨/ ١٥٠)، «أضواء البيان» للشِّنقيطي (٥/ ٢٧١).
نقَلَ النَّوويُّ رحمه الله ـ أيضًا ـ (٨/ ١٢٤) عن بعض الشَّافعيَّةِ أنَّ المبيتَ بمُزدلفةَ: سُنَّةٌ، وليس بِرُكنٍ ولا واجبٍ، ولا يجبُ بتركِه دمٌ، بدليلِ القياسِ على أَنَّهُ مَبِيتٌ فَكَانَ سُنَّةً، كَالْمَبِيتِ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ: اللَّيلةَ التَّاسعةَ الَّتي صبيحتُها يومُ عرفةَ؛ قال ابنُ حجَرٍ ـ رحمه الله ـ في [«الفتح» (٣/ ٥٢٩)]: «ورُوِيَ عن عطاءٍ، وبه قال الأوزاعيُّ: لا دَمَ عليه مُطلَقًا، وإنَّما هو مَنزِلٌ: مَنْ شاء نَزَلَ به ومَنْ شاءَ لم يَنزِلْ به»؛ ويمكن أَنْ يُستدَلَّ على سُنِّيَّةِ المَبيتِ بمزدلفةَ ـ أيضًا ـ بحديثِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ رضي الله عنه: أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» [تقدَّم تخريجه قريبًا] أي: مَنْ أَدركَ عَرَفةَ في آخِرِ جزءٍ مِنْ ليلةِ النَّحرِ قبلَ الصُّبحِ: أنَّه تَمَّ حجُّه وقضى تَفَثَه؛ ولا يخفى أنَّ مقتَضى ذلك تفويتُ المبيتِ بمزدلفةَ عليه، ولم يُوجِبْ عليه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم دمًا، بل صحَّح حجَّه؛ فدلَّ ذلك على أنَّ المبيتَ بمُزدلِفةَ سُنَّةٌ.
(١٢) انظر: «المجموع» للنووي (٨/ ١٣٦).
(١٣) أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» (١٥٣٨)، وأحمدُ في «مُسنَده» (٢٣٧٧٥)، وأبو داود في «المناسك» بابٌ في رمي الجمار (١٩٧٥)، والنَّسائيُّ في «مناسك الحجِّ» بابُ رميِ الرُّعاة (٣٠٦٩). وصحَّحه الألبانيُّ في صحيح السُّنَن وفي «الإرواء» (٤/ ٢٨٠) رقم: (١٠٨٠).
(١٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه أحمد في «مُسنَده» (٤٧٣١، ٥٦١٣)، والبخاريُّ في «الحجِّ» بابُ سقايةِ الحاجِّ (١٦٣٤) وباب: هل يبيت أصحابُ السِّقايةِ أو غيرُهم بمكَّةَ ليالِيَ مِنًى؟ (١٧٤٥)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣١٥)، مِنْ حديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما.
(١٥) قال القرطبيُّ في «تفسيره» (٢/ ٤٢٦): «قال أبو عُمَرَ: وكذلك أجمعوا أنَّ الشَّمسَ إذا طلعت يومََ النَّحرِ فقد فات وقتُ الوقوف بجَمعٍ، وأنَّ مَنْ أدرك الوقوفَ بها قبل طلوعِ الشَّمس فقد أَدركَ، ممَّنْ يقول: إنَّ ذلك فرضٌ، ومَنْ يقول: إنَّ ذلك سُنَّةٌ».
الصنف: فتاوى الحجِّ والعُمْرة ـ أحكام الحجِّ
في حكمِ تركِ المَبيتِ في مزدلفةَ
السؤال:
شخصٌ حجَّ هذا العامَ مع أمِّه المُسِنَّةِ و زوجتِه؛ بعد الإفاضةِ مِنْ عرفةَ، وقبلَ دخولِ حدودِ مُزدلِفةَ بحوالَيْ ٥٠٠ مترٍ وجَدَ النَّاسَ قد افترشوا المَمشى، وازدحمَتِ الطَّريقُ بالحُجَّاجِ؛ وعندَ مُحاولَتِه تغييرَ الطَّريقِ ودخولَ مُزدلِفةَ ضاعَتْ والدَتُه، و بقيَ يبحثُ عنها اللَّيلَ كُلَّه؛ ولم يَجِدْها إلَّا قبلَ طلوعِ الشَّمسِ بقليلٍ؛ فهل عليه دمٌ هو ومَنْ معَه لعدمِ تمكُّنِهم مِنْ دخولِ مُزدلِفةَ إلَّا بعد طلوعِ الشَّمسِ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالمبيتُ فِي مُزدَلِفةَ للحاجِّ ليلةَ النَّحرِ ليس رُكنًا على الصَّحيحِ، فلو تَرَكَهُ الحاجُّ مِنْ غيرِ عذرٍ صحَّ حجُّهُ، وعليهِ دمٌ، وهو مذهبُ أكثرِ أهلِ العلم؛ خلافًا لمَنْ قال برُكنِيَّتِه وعدمِ صحَّةِ الحجِّ بدونه وانقلابه عُمرةً، وبه قالَ مِنْ أئِمَّةِ التَّابعينَ: علقمَةُ والأسودُ وَإبراهيمُ النَّخعِيُّون، وَالشَّعبِيُّ والحسنُ البصرِيُّ رحمهم الله؛ قال النَّوويُّ ـ رحمه الله ـ: «قد ذكَرْنا أنَّ المشهورَ مِنْ مذهبِنا أنَّه ليس بركنٍ، فلو ترَكَه صحَّ حجُّه؛ قال القاضي أبو الطَّيِّبِ وأصحابُنا: وبهذا قال جماهيرُ العلماءِ مِنَ السَّلف والخلفِ»(١)؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو بمُزدلِفةَ: «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَأَتَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ»، وفي لفظٍ للتِّرمذيِّ: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ»(٢)؛ ولأنَّه نُسُكٌ مقصودٌ في موضعٍ فكان واجبًا كالرَّميِ.
خلافًا لِمَنْ قال: إنَّ المَبيتَ بِمُزدَلِفةَ ركنٌ لا يَصحُّ الحجُّ إلَّا به، كالوقوفِ بعرَفةَ، استنادًا إلى قوله تعالى: ﴿فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٨]، وإلى الحديثِ المروِيِّ عن النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «مَنْ فَاتَهُ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ»(٣)، وبما أخرجه الطَّبرانيُّ وغيرُه مِنْ حديثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَقُلْتُ: «قَدْ أَحْفَيْتُ وَأَنْصَبْتُ وَفَعَلْتُ وَفَعَلْتُ»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْرَكَ جَمْعًا فَوَقَفَ مَع النَّاسِ [أو: الإِمَامِ] حَتَّى يُفِيضَ فَقَدْ أَدْرَكَ [الْحَجَّ]، وَمَنْ لَم يُدْرِكْ ذَلِك فَلَا حَجَّ لَهُ»(٤)، وعند النَّسائيِّ: «مَنْ أَدْرَكَ جَمْعًا مَعَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ حَتَّى يُفِيضَ مِنْهَا فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ النَّاسِ وَالْإِمَامِ فَلَمْ يُدْرِكْ»(٥).
ولا يخفى أنَّ الآيةَ لا دلالةَ فيها على رُكنيَّةِ المَبيتِ بمُزدلِفةَ؛ لأنَّ المأمورَ به في الآية هو الذِّكرُ؛ والذِّكرُ ليس ركنًا بالإجماع؛ قال الشِّنقيطيُّ ـ رحمه الله ـ: «وقد أَجمَعوا كُلُّهم على أنَّ مَنْ وَقَفَ بِمُزدَلِفةَ ولم يَذكُرِ اللهَ: أنَّ حَجَّهُ تامٌّ، فإذا كانَ الذِّكرُ المذكورُ في الكتابِ ليس مِنْ صُلْبِ الحَجِّ بإجماعِهم فالمَوطِنُ الَّذي يكونُ الذِّكرُ فيه أَحْرَى أَنْ لا يكونَ فَرْضًا؛ وأجابوا عن استدلالهم بمفهوم الشَّرط في حديثِ عُروةَ بنِ مُضرِّسٍ المذكورِ: «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ» الحديث(٦)، بأنَّهم أجمعوا كُلُّهم على أنَّه لو بات بمُزدلِفةَ ووقَفَ قبل ذلك بعَرَفةَ، ونام عن صلاة الصُّبحِ فلم يُصلِّها مع الإِمام حتَّى فاتَتْه أنَّه حجُّه تامٌّ؛ وقد قدَّمْنا دلالةَ حديثِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ يَعمَرَ على ذلك؛ وأجابوا عن رواية النَّسائيِّ الَّتي أشَرْنا إليها الَّتي قال فيها: أَخبرَنا محمَّدُ بنُ قُدامةَ قال: حدَّثني جريرٌ، عن مطرِّفٍ، عن الشَّعبيِّ، عن عُروةَ بنِ مُضرِّسٍ قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ أَدْرَكَ جَمْعًا مَعَ الإِمَامِ وَالنَّاسِ حَتَّى يُفِيضَ مِنْهَا فَقَدْ أَدْرَكَ، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ النَّاسِ وَالإِمَامِ فَلَمْ يُدْرِكْ»(٧) اهـ، بأنَّ هذه الزِّيادةَ في هذه الرِّوايةِ لم تثبت؛ قال ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» في بيانِ تضعيفِ الزِّيادةِ المذكورة: وقد ضعَّف [صنَّف] أبو جعفرٍ العقيليُّ جزءًا في إنكارِ هذه الزِّيادة، وبيَّن أنَّها مِنْ روايةِ مُطرِّفٍ عن الشَّعبيِّ، عن عُروةَ، وأنَّ مُطرِّفًا كان يَهِمُ في المتون؛ قال: وقد ارتكب ابنُ حزمٍ الشَّططَ فزعَمَ: أنَّ مَنْ لم يُصَلِّ صلاةَ الصُّبحِ بمُزدلِفةَ مع الإِمام: أنَّ الحجَّ يفوته، ولم يعتبر ابنُ قُدامةَ مُخالَفتَه هذه، فحكى الإِجماعَ على الإِجزاء كما حكاه الطَّحاويُّ. انتهى كلامُ ابنِ حجرٍ مع حذفٍ يسيرٍ»(٨).
وكذلك حديثُ: «مَنْ فَاتَهُ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ»(٩) لا حُجَّةَ فيه لعدمِ ثُبوتهِ بهذا اللَّفظ؛ فقد أَوردَه النَّوويُّ ـ رحمه الله ـ وقال: «ليسَ بثابتٍ ولا معروفٍ» ولم يَعْزُهُ إلى أيِّ مصدرٍ؛ فضلًا أنَّه يعارضُه ويعارضُ روايةَ النَّسائيِّ حديثُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ رضي الله عنه: أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ»(١٠)؛ فإنَّ مقتضى الحديثِ يفيدُ صِحَّةَ حجِّ مَنْ أَدركَ عَرَفةَ في آخِرِ جزءٍ مِنْ ليلةِ النَّحرِ قبلَ الصُّبحِ، مع أنَّه قد يُفوِّتُ المَبيتَ بمُزدلِفةَ عليه.
ثمَّ إنَّه على فَرَضِ صِحَّتِه وصِحَّةِ روايةِ النَّسائيِّ، فيُمكِنُ حملُه ـ جمعًا بين الأدلَّةِ ـ على فواتِ كمالِ الحجِّ دون فواتِ أصلِهِ(١١).
هذا، ووجوبُ الدَّمِ بتركِ المبيتِ خاصٌّ بمَنْ ترَكَهُ بلا عذرٍ، أمَّا مَنْ تركَهُ لعُذرٍ ـ سواءٌ كان العذرُ لأمرٍ عامٍّ أو خاصٍّ ـ فلا شيءَ عليه على الصَّحيحِ مِنْ أقوال العلماء، وقد ذكَرَ النَّوويُّ ـ رحمه الله ـ بعضَ الأمثِلةِ عن الأعذارِ منها: أنَّ مَنِ انتهى إلى عَرَفاتٍ ليلةَ النَّحر، واشتغَل بالوقوفِ عن المبيتِ بالمُزدلِفةِ فلا شيءَ عليه؛ ولو أفاضَ مِنْ عَرَفاتٍ إلى مكَّةَ وطافَ الإفاضةَ بعد نصفِ ليلةِ النَّحر ففاتَهُ المبيتُ بالمُزدلِفةِ بسببِ الطَّواف فلا شيءَ عليه(١٢)؛ ويدخلُ في هذا المعنى: مَنْ كان به مرضٌ يشقُّ معه المبيتُ، أو له مريضٌ يحتاج إلى تعهُّدِه، أو يطلبُ آبقًا أو قريبًا ضاع منه، أو يشتغلُ بأمرٍ آخَرَ يخافُ فَوْتَه، أو كالرُّعاةِ والسُّقاةِ؛ فلا دَمَ عليهم لِتركِ المبيتِ، ونحوِ ذلك مِنَ الأعذارِ المشمولَةِ بالرُّخصةِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: رخَّص للرُّعاةِ في تركِ المَبيتِ لحديثِ أبي البدَّاح بنِ عاصمِ بنِ عَدِيٍّ عن أبيه عاصمٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أَرخصَ لرِعاءِ الإبلِ في البيتوتةِ [خارجينَ] [عن مِنًى](١٣)، وأنَّ العبَّاسَ بنَ عبدِ المطَّلِبِ رضي الله عنه استأذنَ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنْ يَبيتَ بمكَّةَ لياليَ مِنًى مِنْ أجلِ سِقايَتِهِ فأَذِنَ له(١٤).
وعليه، فالظَّاهرُ أنَّ السَّائلَ ومَنْ معه الَّذين لم يتمكَّنوا مِنْ دخولِ مُزدلِفةَ إلَّا بعد طلوعِ الشَّمسِ(١٥) للأسبابِ المذكورةِ: أنَّهم مِنْ أهلِ الأعذارِ يَسقُطُ عنهم واجبُ جَبرِ تركِ المبيتِ بدمٍ.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٣ مِنَ المحرَّم ١٤٤٦هـ
المـوافق ﻟ: ٢٩ يوليو ٢٠٢٤ م .
(١) «المجموع» للنووي (٨/ ١٥٠).
(٢) أخرجه أحمد (١٦٢٠٨، ١٦٢٠٩، ١٨٣٠٠ ـ ١٨٣٠٤)، وأبو داود في «المناسك» بابُ مَنْ لم يُدرِك عَرَفةَ (١٩٥٠)، والتِّرمذيُّ في «الحجِّ» باب ما جاء في مَنْ أَدركَ الإمامَ بجَمْعٍ فقَدْ أَدركَ الحجَّ (٨٩١)، والنَّسائيُّ في «مناسك الحجِّ» بابٌ فيمَنْ لم يُدرِك صلاةَ الصُّبح مع الإمام بالمُزدلِفة (٣٠٣٩ ـ ٣٠٤٣)، وابنُ ماجه في «المناسك» بابُ مَنْ أتى عَرَفةَ قبل الفجرِ ليلةَ جَمْعٍ (٣٠١٦)، مِنْ حديثِ عُروةَ بنِ مُضرِّسٍ الطَّائيِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في تحقيقه للسُّنن الأربعةِ وفي «إرواء الغليل» (٤/ ٢٥٨) رقم: (١٠٦٦)، ومحقِّقُو طبعةِ الرِّسالة مِنَ «المُسنَد» (٢٦/ ١٤٢).
وبنحوه مِنْ حديثِ عبدِ الرَّحمن بنِ يَعمَرَ الدِّيليِّ رضي الله عنه: أحمدُ (١٨٧٧٣ ـ ١٨٧٧٥، ١٨٩٥٤)، وأبو داود (١٩٤٩)، والتِّرمذيُّ (٨٨٩)، والنَّسائيُّ (٣٠٤٤)، وابنُ ماجه (٣٠١٥)، ولفظُ أحمد: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْحَجِّ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: «الْحَجُّ يَوْمُ عَرَفَةَ أَوْ عَرَفَاتٍ، وَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَأَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ». وصحَّح إسنادَه الألبانيُّ في تحقيقِ «المشكاة» للتِّبريزي (٢/ ٨٢٩) رقم: (٢٧١٤)، وصحَّحه في تحقيقه للسُّنن الأربعة، وصحَّح إسنادَه مُحقِّقُو طبعةِ الرِّسالة (٣١/ ٦٣).
(٣) أَوردَه النَّوويُّ في «المجموع» (٨/ ١٥٠) ثمَّ قال: «ليس بثابتٍ ولا معروفٍ»، ولم يَعزُه إلى أيِّ مصدرٍ، وهو بنحوه في «الآثار» لأبي يُوسُفَ (٥٥٣) بلفظ: «إِذَا لَمْ يُدْرِكْ جَمْعًا فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ» موقوفًا على إبراهيمَ.
وقال أبو عبد الله محمَّدُ بنُ نصرِ بنِ الحجَّاجِ المَرْوَزِيُّ في «اختلاف العلماء» (٤٠٨): «قال سفيانُ: مَنْ وقَفَ بليلٍ بعرفاتٍ قبل أَنْ يَطلُعَ الفجرُ فقَدْ أَدرَكَ الحجَّ، ومَنْ لم يَقِفْ بجَمْعٍ أَهرَقَ دمًا؛ وهو قولُ أصحابِ الرَّأيِ ومالكٍ والشَّافعيِّ وأحمدَ؛ وذهبوا إلى حديثِ عبد الرَّحمنِ بنِ يَعمَرَ وإلى ما يُروَى عن أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم. قال أبو عبد الله: إذا لم يُدرِكِ الجَمْعَ فقَدْ فاتَه الحجُّ وإِنْ وقَفَ بعَرَفةَ؛ واحتجَّ بحديثِ عُروةَ بنِ مُضرِّسٍ. وقال: يروى هذا عن إبراهيمَ والشَّعبيِّ والحسنِ. وقال أبو عبدِ الله: العلماءُ عامَّةً على القول الأوَّل».
(٤) أخرجه الطَّبرانيُّ في «المُعجَم الكبير» (١٧/ ١٥١)، وأبو الحسنِ عليُّ بنُ عُمَرَ الحربيُّ السُّكَّريُّ في «الحربيَّات» (٢/ ٥)، وذكَرَه ابنُ عساكر في «تاريخ دمشق» (٧١/ ٦٧).
(٥) أخرجه النَّسائيُّ (٣٠٤٠)، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح النَّسائيِّ»، وقد تقدَّم.
(٦) انظر: (الهامش 2).
(٧) انظر: (الهامش 5).
(٨) «أضواء البيان» للشِّنقيطي (٥/ ٢٧٠).
(٩) انظر: (الهامش 3).
(١٠) أخرجه أبو داود الطَّيالسيُّ في «مُسنَده» (٢/ ٦٤٣)، والتِّرمذيُّ في «تفسير القرآن» باب: ومِنْ سورة البقرة (٢٩٧٥)، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح التِّرمذي».
(١١) انظر: «المجموع» للنووي (٨/ ١٥٠)، «أضواء البيان» للشِّنقيطي (٥/ ٢٧١).
نقَلَ النَّوويُّ رحمه الله ـ أيضًا ـ (٨/ ١٢٤) عن بعض الشَّافعيَّةِ أنَّ المبيتَ بمُزدلفةَ: سُنَّةٌ، وليس بِرُكنٍ ولا واجبٍ، ولا يجبُ بتركِه دمٌ، بدليلِ القياسِ على أَنَّهُ مَبِيتٌ فَكَانَ سُنَّةً، كَالْمَبِيتِ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ: اللَّيلةَ التَّاسعةَ الَّتي صبيحتُها يومُ عرفةَ؛ قال ابنُ حجَرٍ ـ رحمه الله ـ في [«الفتح» (٣/ ٥٢٩)]: «ورُوِيَ عن عطاءٍ، وبه قال الأوزاعيُّ: لا دَمَ عليه مُطلَقًا، وإنَّما هو مَنزِلٌ: مَنْ شاء نَزَلَ به ومَنْ شاءَ لم يَنزِلْ به»؛ ويمكن أَنْ يُستدَلَّ على سُنِّيَّةِ المَبيتِ بمزدلفةَ ـ أيضًا ـ بحديثِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ رضي الله عنه: أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» [تقدَّم تخريجه قريبًا] أي: مَنْ أَدركَ عَرَفةَ في آخِرِ جزءٍ مِنْ ليلةِ النَّحرِ قبلَ الصُّبحِ: أنَّه تَمَّ حجُّه وقضى تَفَثَه؛ ولا يخفى أنَّ مقتَضى ذلك تفويتُ المبيتِ بمزدلفةَ عليه، ولم يُوجِبْ عليه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم دمًا، بل صحَّح حجَّه؛ فدلَّ ذلك على أنَّ المبيتَ بمُزدلِفةَ سُنَّةٌ.
(١٢) انظر: «المجموع» للنووي (٨/ ١٣٦).
(١٣) أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» (١٥٣٨)، وأحمدُ في «مُسنَده» (٢٣٧٧٥)، وأبو داود في «المناسك» بابٌ في رمي الجمار (١٩٧٥)، والنَّسائيُّ في «مناسك الحجِّ» بابُ رميِ الرُّعاة (٣٠٦٩). وصحَّحه الألبانيُّ في صحيح السُّنَن وفي «الإرواء» (٤/ ٢٨٠) رقم: (١٠٨٠).
(١٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه أحمد في «مُسنَده» (٤٧٣١، ٥٦١٣)، والبخاريُّ في «الحجِّ» بابُ سقايةِ الحاجِّ (١٦٣٤) وباب: هل يبيت أصحابُ السِّقايةِ أو غيرُهم بمكَّةَ ليالِيَ مِنًى؟ (١٧٤٥)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣١٥)، مِنْ حديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما.
(١٥) قال القرطبيُّ في «تفسيره» (٢/ ٤٢٦): «قال أبو عُمَرَ: وكذلك أجمعوا أنَّ الشَّمسَ إذا طلعت يومََ النَّحرِ فقد فات وقتُ الوقوف بجَمعٍ، وأنَّ مَنْ أدرك الوقوفَ بها قبل طلوعِ الشَّمس فقد أَدركَ، ممَّنْ يقول: إنَّ ذلك فرضٌ، ومَنْ يقول: إنَّ ذلك سُنَّةٌ».
مواضيع مماثلة
» الفتوى رقم: ١٣٨٣ في حكمِ تركِ حَلقِ الشَّعر أو تقصيرِه في حجٍّ أو عُمرةٍ الشيخ العلامة الإمام محمد علي فركوس -حفظه اللّه-
» فتوى رقم: ١٣٨٨ في حكمِ تأخيرِ ردِّ المالِ الزَّائدِ إلى المُشتري العلامة محمد علي فركوس-حفظه الله
» جواب العلامة محمد فركوس - حفظه الله- عن استدلال الشيخ وصي الله عباس -حفظه الله- بأثر أنس - رضي الله عنه - على صحة الصلاة بالتباعد
» في حكمِ مَنْ ترَكَ الإحرامَ بعد التَّحلُّلِ الأصغرِ ولم يَطُفْ قبلَ غروبِ الشَّمس .. العلامة فركوس حفظه الله
» كان أبي قديما اشترى مع عمي محلا من البلدية بالمزاد العلني فكتباه على جدي وبعد وفاته الورثة يطالبون بإدخاله في الميراث قال الشيخ العلامة الإمام محمد علي فركوس -حفظه اللّه- قال الشيخ العلامة الإمام محمد علي فركوس -حفظه اللّه-
» فتوى رقم: ١٣٨٨ في حكمِ تأخيرِ ردِّ المالِ الزَّائدِ إلى المُشتري العلامة محمد علي فركوس-حفظه الله
» جواب العلامة محمد فركوس - حفظه الله- عن استدلال الشيخ وصي الله عباس -حفظه الله- بأثر أنس - رضي الله عنه - على صحة الصلاة بالتباعد
» في حكمِ مَنْ ترَكَ الإحرامَ بعد التَّحلُّلِ الأصغرِ ولم يَطُفْ قبلَ غروبِ الشَّمس .. العلامة فركوس حفظه الله
» كان أبي قديما اشترى مع عمي محلا من البلدية بالمزاد العلني فكتباه على جدي وبعد وفاته الورثة يطالبون بإدخاله في الميراث قال الشيخ العلامة الإمام محمد علي فركوس -حفظه اللّه- قال الشيخ العلامة الإمام محمد علي فركوس -حفظه اللّه-
منتديات بسكرة السلفية :: المنابر :: عالم الجزائر محمد بن علي فركوس حفظه الله :: فتاوى العلامة محمد بن علي فركوس حفظه الله
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس 07 نوفمبر 2024, 21:34 من طرف يحيىٰ أبو بكر
» النُّكَتُ الحِسَانُ مِنْ مَجَالِسِ مَدِينَةِ تُونَان
الخميس 07 نوفمبر 2024, 21:25 من طرف يحيىٰ أبو بكر
» النُّكَتُ الحِسَانُ مِنْ مَجَالِسِ مَدِينَةِ تُونَان
الخميس 07 نوفمبر 2024, 21:15 من طرف يحيىٰ أبو بكر
» سئل شيخنا العلامة فركوس حفظه الله عن رجلان إختلف في مسألة من مسائل البيوع
الجمعة 25 أكتوبر 2024, 18:16 من طرف بسكرة السلفية
» سئل فضيلة الشيخ فركوس عن بعض الأشخاص والتجار من خارج ولاية العاصمة، يشترون إقامة لترقيم سياراتهم بال 16 حتى لا يتم عرقلتهم في الحواجز الأمنية.
الثلاثاء 22 أكتوبر 2024, 20:55 من طرف بسكرة السلفية
» في حكم إدخال الأولاد إلى روضة الأطفال _ فضيلة الشيخ محمد علي فركوس
الثلاثاء 22 أكتوبر 2024, 20:31 من طرف بسكرة السلفية
» فتوى رقم: ١٣٨٨ في حكمِ تأخيرِ ردِّ المالِ الزَّائدِ إلى المُشتري العلامة محمد علي فركوس-حفظه الله
الثلاثاء 22 أكتوبر 2024, 11:12 من طرف بسكرة السلفية
» سئل فضيلة الشيخ فركوس عن أحد عنده محل لبيع الأكل السّريع.. وقد حدث تسمّم لبعض من أكل عنده، هو يسأل عن تعويضهم.. وهل يعوض في الأيام التي يعملوا فيها بسبب مرضهم ؟!
الإثنين 21 أكتوبر 2024, 14:05 من طرف بسكرة السلفية
» في حكم جعلِ الصبيّ عقِبَ الإمام الشيخ فركوس حفظه اللّه
الأحد 20 أكتوبر 2024, 16:47 من طرف بسكرة السلفية